قمّة شنقايا تطمئن المدنيّين ولا تهدّئ العسكرأرنست خوري
شهد قصر شنقايا الرئاسي التركي، أمس، قمّة طارئة دعا إليها الرئيس عبد الله غول، وجمعت، إضافةً إليه، كلاً من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، ورئيس هيئة أركان الجيش إلكر باسبوغ، وحُدِّد هدفها بتهدئة النفوس المتوترة على خلفية أعنف حملة قضائية تطاول المؤسسة العسكرية المتورطة في خطط انقلابات على حكومة حزب «العدالة والتنمية».
دام الاجتماع 3 ساعات، وانتهى كالعادة من دون مؤتمر صحافي، واقتصر ما خرج من المجتمعين على بضع كلمات، جاء أبرزها في بيان رئاسي: «ناقشنا تطورات الأيام الماضية (اعتقال عشرات الضباط الحاليين والمتقاعدين بتهمة التآمر على الحكومة، والانتماء إلى تنظيم إرهابي: إرغينيكون)، وعلى مواطنينا أن يبقوا مطمئنّين إلى أنّ القضايا ستُحَلّ وفق الدستور والقوانين». وتابع البيان أنّه «حتى لا تنهار مؤسساتنا الدستورية، على الجميع أن يتصرّف بمسؤولية». ولمزيد من التهدئة، علّق أردوغان على جو الاجتماع بالقول إنه «جرى بطريقة جيّدة».
كلام هادئ قد يكون مطلوباً في بلد يعيش منذ فترة، أسوأ التطورات الداخلية التي نتجت من مسار انطلق عام 2007، عنوانه بداية نهاية دور العسكر كناظم للحياة السياسية، ويمرّ حالياً بمحطّة مفصلية.
لكن لا شيء يوحي بأنّ الاجتماع هَدَفَ بالأساس إلى وضع حدّ للحملة القضائية المفتوحة بحقّ الضباط، بدليل أنّه صباح يوم أمس، عندما كان المسؤولون الثلاثة مجتمعين، وجّهت المحكمة لائحة اتهام بحقّ 8 ضباط جدد، ليصبح عدد من قرر القضاء محاكمتهم، في غضون 48 ساعة، 20 ضابطاً من أصل 49 اعتُقلوا يوم الاثنين الماضي. ومن بين المتهمين العشرين، 5 برتبة أميرال، و3 جنرالات.
ضغوط على ضباط الصف الأول لتقديم استقالة جماعية لوقف الحملة القضائية
وخلال لقاء القمة أيضاً، كان أرفع ضابطين معتقلين يخضعان للتحقيق، وهما قائد القوات الجوية المتقاعد إبراهيم فرتينا، والقائد السابق لسلاح البحرية أوزدان أورنيك.
وبالعودة إلى العبارات القليلة التي خرجت من غرفة الاجتماع الثلاثي، وتحديداً «القضايا ستُحَلّ وفق الدستور والقوانين»، فإنها قد تعني أحد احتمالين، أو كليهما معاً: الأوّل يحمل طمأنة إلى المواطنين والحكومة، مفادها أنّ الجيش لن يردّ على الزلزال القضائي الذي يعيشه بأي تحرّك في الشارع على صورة انقلاب جديد، ثمّ قد تشير إلى احتمال أن يكون بُحث حلٌّ ما يدور حول إيجاد مخرج «دستوري وقانوني» يحفظ للجيش ماء الوجه، ولا يُظهر الحكومة ومحاكمة من كان يريد الانقلاب عليها في مظهر المتراجع.
وإذا صحّ هذا الاحتمال، فإنّه سيكون محطّ موافقة جنرالات الجيش الذين عقدوا، أول من أمس، لقاءً موسعاً مع باسبوغ، حضره أكثر من 13 جنرالاً حالياً، إضافةً إلى ضباط آخرين رفيعي المستوى، ناقشوا خلاله «التطورات الخطيرة» التي تشهدها الساحة الداخلية. اجتماع لم يخرج عنه تحذير بـ«تدخّل الجيش لحسم الموقف»، ولا كلام معهود عن «مساعي القوى الرجعية لهزّ صورة الجمهورية ووحدة أراضيها، والمسّ بقيمها العلمانية»، وهي العبارات التي سبقت الانقلابات الأربعة التي شهدها تاريخ الجمهورية التركية.
وفي السياق، تحدّثت صحف تركية عن انتشار نبأ في أنقرة، مفاده أنّ عدداً من حمَلة الرتب العسكرية، يضغطون لإقناع ضباط الصف الأول بتقديم استقالة جماعية تكون بمثابة الرادع الأقوى الذي سيحول دون مواصلة الحكومة والقضاء حملتهما. إلّا أنّ عدداً من الصحافيين استبعد تحقّق هذا الخيار لأنه سيزيد الشكوك في من سيتقدم باستقالته في شأن تورّطه في خطط «إرغينيكون» و«خطة المطرقة».
وفي ظلّ تزايد عدد الانتحارات المشبوهة في صفوف الضباط، وخروج أفكار عسكرية من نوع الاستقالة الجماعية، يظهر جلياً أنّ خيار الانقلاب بات مستبعداً للغاية، لذلك يجري البحث عن حلول أخرى، لعلّها تحفظ بعض ما بقي للجيش من صدقية شعبية.