الليبراليّون يتباينون مع ميركل: نقبل تركيا في النادي الأوروبيمعمر عطوي
رغم الجهود التي يبذلها طرفا الائتلاف الحاكم في ألمانيا، الاتّحاد المسيحي الديموقراطي (CDU) والحزب الديموقراطي الحر (FDP)، من أجل تفعيل تحالفهما، بعد بروز عقدة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يبقى الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU)، (ومركزه ولاية بافاريا الجنوبية)، ينفخ في رماد الخلافات الحكومية، انطلاقاً من معارضته الشرسة لأي مفاوضات حول انضمام البلد الإسلامي إلى المنظومة الأوروبية ذات الجذور المسيحية.
هذه الأزمة، استفحلت نهاية الأسبوع الماضي، بعد تصريحات وزير الخارجية الليبرالي (FDP)، غيدو فيسترفيله، في أنقرة الخميس (7 -1-2010)، بشأن ضرورة إيفاء أنقرة بالتزاماتها تجاه شروط الانضمام إلى الاتحاد. موقف يشير بوضوح إلى تباين بينه وبين موقف الحليف الأكبر في الائتلاف الحكومي، الـ«CDU»، بقيادة أنجيلا ميركل، وخصوصاً أن المستشارة المسيحية المحافظة لا تنظر إلى أكثر من «شراكة مميزة» مع تركيا. وهو ما لا يرقى إلى العضوية الكاملة، الأمر الذي ترفضه أنقرة بشدّة.
غير أن تصريحات وزير الخارجية الألماني، أثارت ردود فعل على المسرح السياسي الداخلي. فقد عبّر أحد قياديي الحزب الاجتماعي ( وهو الحزب الشقيق للحزب الحاكم)، هانز بيتر فريدريش، عن رفض حزبه القاطع لأي عضوية لتركيا في الاتحاد الأوروبي. وأشار في المقابل إلى موافقة على«شراكة مميزة» مع البلد الإسلامي، قائلاً لصحيفة «برلينر» إن «هذا هو رأينا، المُتاح لدينا. وحين يكون لدى السيد فيسترفيله (رأي) آخر، فهذا من حقّه».
وفي اجتماع سرّي للحزب الاجتماعي في بلدة «فيلدباد كرويت» في ولاية بافاريا، تقرّرت المطالبة بـ«وقف فوري لتمديد مفاوضات الانضمام». وأشار الحزب في الاجتماع إلى أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية لدى تركيا تفصلها عن عضوية الاتحاد مسافة شاسعة.
لكن صحيفة «فرانكفورتر ألغيماينه» تحدثت عن اتفاق بين حزبي التحالف، الأسود (يمثله المحافظون) والأصفر (يمثله الليبراليون). هذا الاتفاق يؤكد ضرورة إعادة تفعيل التحالف تحت عنوان «نحتاج إلى بداية جديدة حقيقية»، ولا سيما أن الخلاف بين الحزبين يطال أيضاً قضية رفع الضرائب.
مع ذلك، جدد الأمين العام للاتحاد المسيحي، ألكسندر دوبرنت، تأكيد موقف حزبه في حديث إلى محطة «إي آر دي» التلفزيونية، بأن «عضوية كاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي غير ممكنة». أمّا وزير الخارجية، الذي أثار هذه الزوبعة، فقد أكد أن ألمانيا لن تعوق طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مشدداً في الوقت عينه على أن عليها، أي أنقرة، أن تفي بكل المعايير اللازمة للعضوية.
وقال فيسترفيله، في مؤتمر صحافي في العاصمة التركية، «دعوني أقل بوضوح إن ما تمّ الاتفاق عليه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لا يزال سارياً. ستحترم الحكومة الألمانية هذه التعهدات. وأنا أعد بذلك»، مشيراً إلى أن «مباحثات العضوية عملية مفتوحة. وهي لا تنطوي على أي شيء تلقائياً. النتيجة لا يمكن أن تكون مضمونة منذ البداية».
مما لا شك فيه أن كلام فيسترفيله كان مشروطاً بضرورة التزام تركيا «الصارم بمعايير كوبنهاغن»، التي تشمل مجالات عديدة، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرية الدينية وحرية الصحافة وسيادة القانون. إضافة طبعاً، إلى الشرط الذي تشدّد عليه ميركل وهو دعم تركيا لحل مسألة جزيرة قبرص المقسّمة بين القبارصة الأتراك واليونانيين.
وهذا الأمر أكده وزير الخارجية بتشديده على أن تطبق تركيا «بروتوكول أنقرة» على قبرص. إذ إن هذا البلد العلماني، ذا الجذور الإسلامية، لا يزال يرفض فتح موانئه ومطاراته أمام السفن والطائرات الآتية من قبرص اليونانية، بحجة عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بالجزء الشمالي (التركي)
للجزيرة.
ومن المفيد الإشارة الى أن المستشار الألماني السابق (الحزب الاشتراكي الديموقراطي)، غيرهارد شرودر (1998 ــ 2005)، كان في مقدّمة المسؤولين الألمان، الذين تبنّوا قضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان يؤكد دوماً في أحاديثه وتصريحاته ضرورة احتضان الاتحاد لتركيا ومساعدتها «لتصبح جزءاً من منظومة الحزام الأمني والاقتصادي الأوروبي» في ما يمكن وصفه بسياسة الاحتواء.
الأمر الهام هنا، هو أنه رغم تعنّت برلين وبعض العواصم الأوروبية الأخرى، تجاه هذه القضية، لا يمكن اتخاذ قرار بتعليق طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، من دون إجماع بين الدول السبع والعشرين الأعضاء، التي وافقت بالإجماع في عام 2005 على بدء مباحثات الانضمام.