هل تحوّلت رئيسة الأرجنتين، كريستينا فرنانديز كيرشنر، إلى «بطّة عرجاء» على غرار الرؤساء الذين فقدوا أكثريتهم النيابية؟ تساؤل يبرّره احتمال تحول أزمتها الحالية مع حاكم المصرف المركزي إلى أزمة مؤسساتية، أسوة بـ«أزمة مصدّري الحبوب» قبل سنتين
بول الأشقر
في أواسط الشهر الماضي، أصدرت رئيسة الأرجنتين، كريستينا كيرشنر، قراراً يؤسس لـ«صندوق المئتي عام»، نسبة إلى مرور مئتي عام على الاستقلال، الذي يصادف عام 2010.
وتبلغ قيمة الصندوق 6.5 مليارات من الدولارات، يموّله احتياط البنك المركزي ـــــ الذي ارتفع إلى 48 ملياراً ـــــ من أجل تصفية جزء من ديون العام الجاري، التي ترتفع إلى 13 ملياراً.
وأمام رفض حاكم المصرف المركزي، مارتين ريدرادو، الانصياع لقرار كيرشنر، أُقيل قبل أسبوع بقرارات رئاسية أخرى تحمل تسمية «قرارات الحاجة المعجلة»، وهي صلاحيات تتمتع بها السلطة التنفيذية، وتتطلب توقيع الرئيسة وكل الوزراء.
إقالة أتت على الرغم من تمتّع ريدرادو باستقلالية لجهة إلزام الدستور السلطة التنفيذية بتعيينه لفترة محددة لا يمكن تغييرها إلّا بقرار من مجلس النواب.
وبررت كيرشنر قراراتها بالعطلة البرلمانية المستمرة حتى آذار، وبالاستقالة التي كان قد وضعها الحاكم بتصرفها.
وما إن صدرت القرارات حتى طعنت بها المعارضة، فيما رفض حاكم المصرف المركزي ترك منصبه، معتبراً أن ليس للرئيسة الصلاحية الدستورية لإقالته.
وعلى الأثر، قررت قاضية بوينس آيرس، ماريا خوسي سارمينتو، «بشكل عاجل»، ليس فقط تجميد القرارات الرئاسية على اعتبار أنها من صلاحيات مجلس النواب، بل أيضاً إعادة الحاكم إلى منصبه.
وفي قرار جديد اتخذته القاضية سارمينتو أول من أمس بعد تلقيها طعون الحكومة بقراراتها، حوّلت القضايا المرفوعة أمامها من استعمال الاحتياط، أو إقالة ريدرادو من «عاجلة» إلى «عادية». ما يعني في الواقع أن مهل التجميد ستمتدّ مجدّداً، فيما الحاكم باقٍ في منصبه، والحكومة عاجزة عن الوصول إلى الاحتياط، وقد تطعن بها مجدداً.
وتعليقاً على التطورات التي ترافق القضية، شدّدت كيرشنر على أن الأرجنتين «في حاجة ماسة إلى ترك التخلي عن الدفع للعودة إلى سوق الرساميل والحصول عليها بفوائد معقولة». وذكرت بأن «ريدرادو نفسه صرف 9.5 مليارات دولار عام 2006 لإطفاء الدين، فيما كان وضع الاقتصاد أسوأ». وخلصت إلى القول إنها تواجه «مناورة سياسية ضخمة يزكّيها بعض الإعلام وبعض القضاء».
في هذه الأثناء، أعاد الخلاف بشأن المصرف المركزي إلى الواجهة الصراع بين الرئيسة ونائبها خوليو كوبوس، الذي أتى بعد انشقاق من الحزب الراديكالي. وكوبوس الذي كان قد حسم التصويت المتعادل في مجلس الشيوخ عام 2008 بشأن مسألة الضرائب المفروضة على مصدّري الحبوب لمصلحة المعارضة، وجّه ضربة قاسية إلى كريستينا في بداية ولايتها.
وأدى قرار كوبوس إلى ابتعاده عن الرئيسة واقترابه من المعارضة. وأصبح أحد أركانها، وأبرز المرشحين لتمثيلها في الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وتتهم الموالاة نائب الرئيسة بأنه «يتآمر على السلطة»، وبأنه يقف وراء توفير التغطية السياسية لحاكم المصرف لعدم الانصياع. إلّا أن كوبوس ينفي هذه التهم، ويقول إنه يعمل جاهداً لاجتماع مجلس النواب من أجل حسم موضوع الحاكم.
ويُخشى الآن أن تتحول هذه الأزمة إلى نسخة مكررة عن «أزمة الحبوب»، التي عطلت البلد أشهراً طويلة، وتحولت إلى أزمة مؤسساتية وتجاذب سياسي حادّ، لا تزال نتائجه تضغط على المشهد السياسي.