بول الأشقرخاص بالموقع - اكتملت عناصر المشهد السياسي التشيلي الذي سيحسمه الناخبون بعد يومين، والذي يتلخص الآن بمعرفة ما إذا نجح مرشح «التوافق» (الائتلاف الحاكم) الرئيس السابق إدوار دو فريه في اللحاق بمرشح اليمين الملياردير سباستيان بينييرا، الذي حلّ أول في الدورة الأولى، والذي قد يمثّل نجاحه أول تداول في السلطة بعد أن احتكر «التوافق» كل الرئاسات منذ عشرين سنة، وخروج الديكتاتور التشيلي الجنرال أوغوستو بينوشيه مجبراً من السلطة.
وكان بينييرا قد حصل في الدورة الأولى على 44 في المئة من الأصوات، فيما حصل فريه على 29 في المئة ومرشحين يساريين آخرين على 26 في المئة من الأصوات، ما يعني أن فريه بحاجة في الدورة الثانية إلى استقطاب 80 في المئة من الأصوات التي توزّعت على اليساريين، وخصوصاً تلك التي اختارت التصويت للمرشح الاشتراكي المنشق ماركو إنريكيز أومينامي، الذي نال وحده أكثر من 20 في المئة من أصوات الناخبين. ودلّ آخر استطلاع رأي الذي أجري قبل الاستحقاق بثمانية أيام على أن الفارق بين الرجلين تقلّص كثيراً ونزل تحت عتبة النقطتين المئويتين لمصلحة بينييرا. كذلك دلّ هذا الاستطلاع على أن شبح بينوشيه ما زال يخيم على المسرح التشيلي، إذ إن أكثرية ناخبي فريه الساحقة قد اقترعت ضد بقاء الديكتاتور في السلطة في استفتاء عام 1988، فيما فعلت أكثرية ناخبي بينييرا الحاليين العكس. ربما أهم من ذلك، دلّت تفاصيل هذا الاستطلاع على أن ناخبي إنريكيز أومينامي سيقترعون لفريه بنسبة 44 في المئة ولبينييرا بنسبة 20 في المئة، فيما سيقترع الثلث الباقي بالورقة البيضاء أو سيقاطع الانتخابات.
وإزاء هذه الصورة للمشهد السياسي المتحسّنة ولكن غير الكافية، قررت الرئيسة ميشيل باشليه ـــــ التي تتمتع بشعبية تفوق 80 في المئة ـــــ دخول المعركة بكل قواها في هذا العد العكسي الأخير. ودشّنت نهار الأحد الماضي، محاطة بجميع رؤساء أحزاب الائتلاف، «متحف الذاكرة». وللمناسبة، قالت باشليه «لا نستطيع تغيير ماضينا، كل ما يبقى لدينا التعلّم مما حدث... هذه فرصتنا وهذا تحدّينا... هذا المجال موجّه إلى المجتمع بأكمله، والغاية منه إظهار خروق حقوق الإنسان التي حصلت بين عامي 1973 و1990»، في إشارة إلى الثلاثين ألف قتيل ومفقود الذين خلّفتهم الديكتاتورية العسكرية، وباشليه واحدة من أبناء هذه الضحايا.
وفي اليوم التالي، جرت مناظرة تلفزيونية بين المرشحين لم تسفر عن فائز محدد. تركيز فريه على مقتل أبيه (يحمل الاسم نفسه وحكم التشيلي سلفاً للرئيس سالفادور أليندي) مسموماً خلال الديكتاتورية العسكرية أزعج بينييرا المربك بشأن موضوع مشاركة «بينوشيين» سابقين في حكومته، وقد قال خلال الأسبوع الأخير كل شيء وعكسه في هذا المجال، دون أن يعرف ما إذا كان هذا التردّد سيجعل ناخبيه الأكثر يمينية (الحزب الآتي من السلالة البينوشية تحول إلى أول قوة برلمانية)، يفضّلون تجديد الثقة به أو الامتناع غيظاً. خلال المناظرة، قال بينييرا، الذي تلقّى دعم الكاتب الشهير من البيرو ماريو فارغاس لوسا، «جزء من معسكري ارتكبوا أخطاءً في مجال حقوق الإنسان». وفور انتهاء المناظرة، سألته كارولينا توها، مديرة حملة فريه منذ الدورة الثانية والوجه الصاعد في الحزب الاشتراكي توضيح خلفيات اجتماعه مع 500 ضابط متقاعد للبحث في مصير التحقيقات في حقوق الإنسان. وفي المناظرة نفسها، طلب بينييرا ـ المبتسم باستمرار للإيحاء بـ«التغيير» وببرودة أعصابه ـ من الناخبين «فرصة للعمل لمصلحة التشيلي»، مذكّراً بأن خصمه سبق أن نالها «ولم يكن ناجحاً»، واتهم فريه بالتورط خلال رئاسته في فضائح اقتصادية. وعادت باشليه، التي سبق أن أرسلت إلى المجلس رزمة من المشاريع كان قد تقدم بها إنريكيز ـ أومينامي في محاولة لكسب عطف ناخبيه، وتبرّعت بالتدخل مجدداً، مركزة على أن فريه تخلّى عن أعماله الاقتصادية قبل الوصول إلى الرئاسة، فيما بنييرا لم يفعل ذلك بالرغم من وعوده وينتظر نتائج الانتخابات قبل أن تختم بأن «الفارق بين المشروعين أصبح واضحاً». ومع نهار الأربعاء، قرر أخيراً ماركو إنريكيز ـ أومينامي إعلان أنه قرّر التصويت لـ «الرجل الذي نال 29في المئة من الأصوات»، دون أن يسمي فريه بالاسم، وقال إنه أخذ قراره «لكل ما يجمعني بناخبي الائتلاف لا بمرشحهم»، واستعاد انتقاداته للمرشحين اللذين وصفهما بـ«رجلين من حقبة التسعينيات»، إلا أنه أضاف أن هناك «هوة شاسعة لا يمكن ردمها بين مواقفي والردة اليمينية».
وبالتأكيد، ركّز كلّ من الطرفين على ما يناسبه من تصريح إنريكيز ـ أومينامي، إلا أن التصريح بحد ذاته أعطى دفعاً أخيراً لنشاط المناضلين في الأيام الأخيرة وللإيحاء للناخبين بأن «المعسكر التقدمي قد استعاد وحدته». وتحسباً لخطر المقاطعة الذي قد يقضي على آمال فريه الباقية، تدخلت باشليه مرة أخيرة، أول من أمس، لتطلب من الناخبين «التصويت لأحد المرشحين وللابتعاد عن الأوراق البيض والملغاة والمقاطعة، لأن كل هذه الخيارات مؤدّاها ترك القرار النهائي، الذي هو حقكم، للغير».