اليمين يعود إلى الحكم مرتدياً لباس «التغيير» بعد توحّد متأخّر لليسارفاز الملياردير سيباستيان بينييرا بالانتخابات الرئاسية في التشيلي، ليخلف ميشال باشليه. عاد اليمين بعد 20 عاماً على خروج بينوشيه. وبتداول السلطة، تنتهي مرحلة وتبدأ أخرى

بول الأشقر
ببساطة، هذا هو تداول السلطة على النمط التشيلي: أقل من ساعتين بعد إقفال صناديق الاقتراع، يتوجه المرشح الخاسر إدواردو فريه الابن إلى مقر خصمه سيباستيان بينييرا ليهنّئه. ثم تتصل الرئيسة ميشال باشليه بالملياردير الرئيس لتدعوه إلى غداء عمل جرى بالفعل، أمس.
بعد عقدين على خروج الديكتاتور أوغستو بينوشيه من المشهد السياسي مرغماً، عاد اليمين إليها مرتدياً لباس «التغيير». في ظل محدودية إمكان تحقيق التغيير في الاقتصاد، يبقى الميدانان الاجتماعي والمجتمعي. على الصعيد الأول، ينوي بينييرا الحفاظ على البرامج الاجتماعية لأسلافه، وتوسيعها لتطال الطبقة الوسطى. أما على الصعيد المجتمعي، فمشكلة بينييرا ـــــ الليبرالي في قضايا الزواج وحقوق الإنسان وغيرها ـــــ هي مع حلفائه المحافظين.
يمثّل انتصار بينييرا بـ 51.6 في المئة من الأصوات على الرئيس السابق إدواردو فريه الابن (48.3 في المئة)، أكثر من مجرد فوز رجل، بل يكرس تقادم صيغة توافقيّة، إنجازاتها أكثر بكثير من إخفاقاتها، لكن التشيليين سئموها لأنها صارت كأنها تحتكر خيارهم السياسي. إنها ضريبة النجاح.
والسياسة التي سيعتمدها بينييرا هي التي ستتمّم كتابة الرواية: إذا ترسّخ الائتلاف اليميني وتحكمت به القوى المحافظة، فسينتقل شعار التغيير إلى اليسار في الانتخابات المقبلة. أما إذا تفسّخت القوى التي أوصلت بينييرا إلى النجاح، أو استطاع استقطاب العناصر المعتدلة من الديموقراطية المسيحية، فتكون اصطفافات فترة ما بعد بينوشيه قد مرّ عليها الزمن، وستبدأ ورشة إعادة تأسيس الهيكل السياسي حول قوى جديدة.
أما الرئيس الجديد (من مواليد 1949)، فهو قبل كل شيء رجل ذكي ونشيط. وُلد في عائلة سياسية ارتبط مصيرها سلباً أو إيجاباً بعائلة فريه. والده من مؤسسي الحزب الديموقراطي المسيحي ومقرب من إدواردو فريه الأب، سلف الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي. تولى تمثيل تشيلي دبلوماسيّاً في أكثر من بلد خلال فترة رئاسة صديقه. شقيقه الأكبر خوسي، منظّر اقتصادي كبير عن خصخصة الضمان، عُيّن وزيراً للضمان ثم وزيراً للمناجم في حكومات بينوشيه بين عامي 1978 و1981، قبل أن يترشح مستقلاً في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها إدواردو فريه الابن، بينما حلّ هو ثالثاً فيها.
أمّا سيباستيان، فصادف أول يوم دراسته الجامعية في الولايات المتحدة وقوع الانقلاب في التشيلي في 11 أيلول 1973. وبعد عودته من الولايات المتحدة، تأرجح نشاطه بين التعليم وعالم الأعمال. ورّطته تجربته مع المصرفي كارلوس مسعد، وخصوصاً في مجال بطاقات التسليف، مع القضاء عام 1982، قبل أن يتدخّل شقيقه لمصلحته، ثم جعلته من أثرياء البلد عندما تغيّر القانون المصرفي في البلاد عام 1986.
عام 1994، اشترى 16 في المئة من شركة الطيران «لان» قبل أن يتولى منصب رئاستها. اليوم، يملك ربع أسهم الشركة، التي توسعت إلى كل الدول المجاورة. ثمّ عام 2004، ومنذ وضع عينه على الرئاسة، اشترى قناة «تشيلي فيزيون». وفي 2006، أصبح مالكاً لنادي كولو كولو، النادي الأول لكرة القدم في العاصمة سنتياغو. ووعد بينييرا، فور انتخابه، ببيع أملاكه، باستثناء النادي، أو بوضعها تحت إشراف لجنة مستقلة. هو اليوم أغنى رجل في التشيلي، ويحتل المرتبة 701 بين أغنياء العالم مع ثروة تُقدَّر بأكثر من مليار دولار.
سبق لبينييرا السياسي أن دعا إلى الاقتراع ضد بقاء بينوشيه في السلطة عام 1989، وحاول الترشح بعد ذلك عن الحزب الديموقراطي المسيحي. لم يجد مكاناً في حزب والده، فدعاه اليمين في حينها إلى إدارة الحملة الرئاسية لمرشّحه. قبِل الدعوة ودفن بذلك إمكان الصلحة مع حزب والده. اختار الترشح عن «حزب التجدد الوطني»، الطرف الأضعف في ائتلاف اليمين، ودخل مجلس الشيوخ مرتين بين عامي 1990 و1998، لكن همّ بينييرا ظلّ محصوراً بتولّي رئاسة الجمهورية: ترشح عن حزبه عام 1999 ثم انسحب لمصلحة خواكيم لافين، رجل اليمين القوي وزعيم الحزب الأقوى «الاتحاد الديموقراطي المستقل»، الأقرب إلى تراث بينوشيه.
حينها، فاز الاشتراكي ريكاردو لاغوس على لافين. غير أنّ بينييرا رفض الانسحاب مجدداً للافين عام 2005، وهزمه بفارق بسيط (25 في المئة في مقابل 23 في المئة)، ولم يبق أمام لافين إلا تأييده للدورة الثانية حين فازت باشليه.
وبعد الأداء الانتخابي الجيّد لبينييرا، تحول إلى المرشح الأوحد لليمين، ولم يبق أمامه إلا التغلب على مرشح «التوافق» اليساري ـــــ الوسطي فريه.
أخطاء خصومه وانقساماتهم سهّلت مهمته وأوصلته إلى قصر مونيدا، ولم ينفع بعد ذلك جهد باشليه والتوحّد المتأخّر لناخبي اليسار لمنع رجل الأعمال من التحول إلى الرئيس الـ 48 للتشيلي.