سيناريوهات قد تعيد السيطرة البريطانيّة على الإقليمحبيب الياس
بدأت كرة الثلج تتكوّن في إيرلندا الشماليّة مع الإعلان عن العلاقة التي قامت بين زوجة رئيس الوزراء ايريس روبنسون ومراهق، والتي كُشف عنها في برنامج تلفزيوني على قناة «بي بي سي». الحادثة تحولت من مشكلة شخصية إلى أزمة قد تهدّد بانهيار اتفاق تقاسم السلطة بين الكاثوليك والبروتستانت.
وقد نشر تفاصيلَ العلاقة المستشار السابق لايريس روبنسون، سيلوين بلاك. التفاصيل تبدأ عام 2008، عندما توفي والد عشيقها، صديق العائلة، بيلي ماك كامبلي. وعندما كان والد الصبي على فراش الموت، قامت ايريس، الملتزمة دينياً والمعروفة بآرائها المحافظة، بالتعهد أمامه بأنها ستهتم بوحيده كيرك ( 19 عاماً) في ذلك الوقت. ومع الوقت توطدت العلاقة لتتحول إلى علاقة جنسية.
إلّا أن القصة لا تقف عند حدود العلاقة الجسدية، إذ وبحسب بلاك، فقد استخدمت ايريس منصبها كعضو مجلس النواب لتوفّر فرص عمل له: ساعدته على استثمار أحد المحال التجارية وتحويله إلى مطعم، وأمّنت له الأموال اللازمة لشرائه عبر الطلب من رجلي أعمال كانت تعرفهما تمويل مشروعه بمبلغ 50 ألف جنيه استرليني. كما استعملت نفوذها داخل مجلس البلدية حتى يُقبَل عرض ماك كامبلي لاستثمار المحل.
وعندما انتهت العلاقة في خريف 2008، طالبت روبنسون ماك كامبلي بالمبلغ الذي أعطته إياه لتمويل استثماره. كما طلبت أن يكون هناك شيكان، واحد باسمها والآخر لمصلحة الكنيسة الميثودية الحرة، العضوة فيها. وقد طلبت من بلاك، الذي فضح هذه المعلومات، أن يساعدها على حل هذه المسائل.
وبحسب بلاك أيضاً، فإن رئيس الوزراء عرف في كانون الثاني من عام 2009 بما حصل، وطلب من زوجته أن تعيد الأموال إلى أصحابها. وفي خضم كل تلك المشاكل، عثرت العائلة على رسالة من ايريس إلى عشيقها تكشف فيها عن العلاقة التي جمعت الطرفين، ما دفع بها إلى محاولة الانتحار في آذار من العام الماضي.
هذه الأخبار صدمت المجتمع المحافظ في ايرلندا الشمالية، وخصوصاً أعضاء حزب روبنسون ذي الخلفية البروتستانتية، الذين يعدّون أنفسهم حماة الأخلاق في المجتمع الايرلندي الشمالي. ما يمثّل أزمة بالنسبة إلى الحزب، الذي قد يخسر تأييد قاعدته الشعبية المحافظة. وقام هذا الحزب (الحركة الديموقراطية الوحدوية)، الذي كان يرأسه أيان بايسلي، بالتخلي عنها وسط أنباء عن سوء استعمال لمنصبها في ظل الكلام عن فضائح مالية.
ومع أن ايريس أعلنت انسحابها من الحياة السياسية، فإنّه ليس من المعروف حتى الآن ما يمكن أن يكون تأثير هذه الفضيحة على مستقبل زوجها، وعلى مستقبل تقاسم السلطة في ايرلندا الشمالية.
فمستقبل زوجها السياسي، الذي أعلن أنه سيتنحّى لفترة حتى يعالج مشاكله الشخصية، يتعلق بمدى معرفته بالأموال التي يُزعَم أن زوجته جمعتها لعشيقها. إلا أن هذا لم يمنع خصومه السياسيين من الدعوة إلى القيام بالتحقيقات اللازمة للوقوف على مدى صحة كلام رئيس الوزراء.
ويبقى أن الحديث عن العلاقات الشخصية لرئيس الوزراء وزوجته ليست مشكلة سياسية بحد ذاتها، وليس لها أيّ تأثير مباشر على الجدول السياسي للبلاد. إلّا أن تأثيرها الأساسي يصب في حجم الأضرار الذي حققته على المستوى الشعبي للحزب، وخصوصاً أن هذه الادعاءات تأتي في فترة حساسة في تاريخ ايرلندا الشمالية السياسي، إذ إنها تتزامن مع تنفيذ المرحلة الأخيرة من اتفاق تقاسم السلطة، الذي يعرف باتفاق «يوم الجمعة العظيمة».
هذه المرحلة تقضي بنقل السلطة الأمنية والقضائية من البريطانيين إلى الايرلنديين الشماليين. فرئيس الوزراء ونائبه العضو في حزب «الشين فين»، مارتن ماك غينيس، فشلا في التوصل إلى اتفاق على صيغة الانتقال بعد أشهر من التفاوض، حيث تتهم الأحزاب الكاثوليكية النظام في لندن بالتحيز إلى البروتستانت، في وقت يتهم فيه الحزب الديموقراطي الوحدوي البروتستانتي بالتردد في القيام بخطوة نقل السلطة.
وإذا تمكنت الفضيحة من خفض شعبية الحزب البروتستانتي، فقد يصبح «الشين فين» الحزب الأكثر شعبية في البلاد، وعندها ستتعمق المشكلة، وخصوصاً داخل الأحزاب البروتستانتية، التي ستستعمل تفوق «الشين فين» لضرب اتفاق تقاسم السلطة، ولا سيما أن الأحزاب البروتستانية الأخرى معارضة لاتفاق تقاسم السلطة.
لكن «الشين فين» أيضاً ليس بعيداً عن الفضائح الجنسية، وخصوصاً أن الحزب يحاول امتصاص الفضيحة التي طالت رئيسه غاري آدمز، والتي تكلمت عن تاريخ من الاعتداءات الجنسية داخل عائلته. وقد شملت حلقات عن علاقات جنسية لوالده (أحد رموز الحزب) مع أطفال، وشقيقه بالاعتداء على ابنته.
وحتى لو جرى تخطّي هذا الاحتمال، تبرز مشكلة جديدة بالنسبة إلى رئيس الوزراء. فالمعروف أن روبنسون ونائبه مارتن ماكغينس، يكنّان كراهية بعضهما لبعض.
ووفقاً لقواعد اتفاق تقاسم السلطة، إذا كان روبنسون سيستقيل بسبب الفضيحة، فسوف يجبر ماكغينس على ترك منصبه. استقالتان من شأنهما دفع الجهود الرامية إلى إنشاء قيادة جديدة في الجمعية العامة (البرلمان)، حيث الاتهامات المتبادلة بين الوحدويّين والجمهوريين تزداد.
وفي ظل هذا المناخ، يقول الخبراء السياسيون في الإقليم، إن إعادة بناء حكومة تقاسم السلطة قد تستغرق شهوراً أو حتى سنوات، ما سيترك للحكومة البريطانية، مرةً أخرى، إدارة الإقليم بمرسوم.


«الجمعة العظيمة»اتفاق مثّل نهاية حقبة من حرب أهلية مذهبية امتدت لأكثر من 30 عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت، قتل خلالها نحو 3500 شخص. إلّا أن هذا الاتفاق لم يسر في الطريق السليم، وتعثّر مرات عديدة، الأمر الذي اضطر لندن سنة 2002 إلى استعادة الحكم المباشر على المقاطعة للمرة الرابعة منذ توقيع الاتفاق. واستمرت حالة الجمود حتى نهاية عام 2004، عندما عقدت جلسات من المفاوضات لتنفيذ اتفاق «الجمعة العظيمة». ورغم تدخّل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في نهاية عام 2004 لدى الجناح البروتستانتي المتشدد، وقرار «الجيش الجمهوري» إلقاء السلاح نهائياً، فإنّ الموقف بقي جامداً حتى 2007، حين جرى التوصل إلى إعادة العمل بالاتفاق.