برلين ــ غسان أبو حمد خاص بالموقع- الخطوط العريضة للاستراتيجية التي ستعتمدها ألمانيا في أفغانستان باتت واضحة، وبالإمكان تلخيصها بنقطتين: تقضي الأولى بإرسال 850 جندياً إضافياً إلى القوة المرابطة حالياً في أفغانستان، والثانية برفع قيمة المساعدات المالية المخصّصة لـ«استراتيجية جذب المتمردين في حركة طالبان» إلى 500 مليون دولار.

استراتيجية رسمتها الحكومة الألمانية بعد اجتماعات مطوّلة عقدها التحالف الألماني الحاكم، وأرسل مضمونها إلى وزير الخارجية غيدو فيسترفيلي ليطرحها على المؤتمرين في لندن، على أمل اعتبار هذه الخطة بمثابة الحدّ الأقصى لما يمكن أن تقدمه برلين إلى حلفائها في «شمالي الأطلسي».

وتأمل المستشارة أنجيلا ميركل الحصول على موافقة البوندستاغ (البرلمان الاتحادي) على خطتها، كسبيل للخروج من ورطة الضغوط السياسية التي تتعرض لها من جانب حلفائها، الذين يطالبونها بزيادة جنودها في بؤر التوتر والنزاعات في العالم. واللافت أن ألمانيا، رغم تصنيفها زيادة عديدها من الجنود الألمان في أفغانستان بأنها تنحصر في شؤون تدريب الجيش الأفغاني وتوفير الحماية للقوة الألمانية الموجودة حالياً في شمال البلاد، (قندز)، فإنّها تبقى في نظر المراقبين «منغمسة» في غمار الحرب الدائرة هناك، مهما حاول وزير الدفاع كارل تيودور تسو غوتنبرغ، وصف الأحداث الجارية بأنها «تشبه الحرب» وليست حرباً حقيقية.

وفي السياق، تسعى الاستراتيجية الألمانية في شقّها العسكري، وخصوصاً في مجال تدريب قوات الجيش الأفغاني، إلى التخلّي عن إقامة معسكرات تدريب خاصة للقوات الأفغانية، وإلى دمج قوات التدريب الألمانية تدريجياً ودورياً في الحياة العسكرية اليومية للقوات العسكرية الأفغانية. وربما كان هذا المبدأ الذي تعتمده القوات الأميركية الموجودة في أفغانستان، في نظر بعض المحلّلين العسكريين، سبباً للمزيد من الضربات التي تتعرض لها القوة الألمانية في أفغانستان.

وتركّز تلك الاستراتيجية الألمانية على جانب الأمن الداخلي؛ وفي هذا المجال، يجري التشديد على قوات الشرطة والأمن الداخلي. فألمانيا ترفع عدد كوادر التدريب من 120 مدرباً إلى 200 مدرب اختصاصي في هذا المجال. وتشير التقديرات الأولية إلى أن دورات التدريب في شمال البلاد خرّجت من صفوفها ما يقارب 30 ألف شرطي ورجل أمن أفغاني حتى الآن، يعملون تحت تسمية «الشرطة الوطنية الأفغانية». قوة يراهَن عليها لصمود النظام في حال انسحاب القوات الغربية من البلاد.

تجدر الإشارة إلى حجم الضغوط و«الارتجاجات» الداخلية التي يتعرض لها الحزب الليبرالي الديموقراطي الحليف لميركل، الذي تستند مبادئه السياسية إلى استراتيجية السلام والابتعاد عن الدخول في بؤر التوتر العسكري، فإذا به في وسط أتون الحروب والنزاعات في أنحاء العالم، مهما اختلفت التسميات والتعاريف.

وإضافةً إلى رفع العديد والعتاد العسكري، تأتي قضية رفع الموازنة المالية السنوية لدعم الحكومة الأفغانية إلى 430 مليون يورو (تعادل 500 مليون دولار) حتى عام 2013، أي زيادة 210 مليون يورو عن القيمة العادية للمساعدة المخصّصة. والهدف من هذه التدابير المالية هو المساعدة على بناء أرضية تنموية في شمال أفغانستان، تُمكّن المواطنين من العمل والإنتاج، ما يسهّل لاحقاً وتدريجياً التخلّي عن «مخصّصات» المقاومة كسبيل للعيش.

وهذا المبدأ تعتمده ألمانيا ويؤيّده بقوة وزير خارجيتها، انطلاقاً من قناعتها بأن العدد الأكبر من المقاتلين الأفغان يلجأون إلى القتال بسبب عدم وجود أرضية تنموية في البلاد، لذلك تعوّل برلين على أن تمثّل مساعداتها المالية سبيلاً لتخلي المقاتلين عن سلاحهم، كذلك تأمل أن تمكّنها من الخروج من ورطتها الداخلية عبر شدّ أواصر تحالفها الحزبي (الحزبين الاشتراكي الديموقراطي والليبرالي الديموقراطي)، ومن ورطتها الخارجية للحدّ من ضغوط حلفائها الغربيين.