اجتمعت الدول المانحة للسلطة الفلسطينية في باريس، أول من أمس. لم يخرج شيء عن الاجتماع الذي انتهى بإلغاء المؤتمر الصحافي المشترك. إلغاء أرفق في بيان، حمل في طيّاته ربطاً لاستمرار المساعدات بتواصل العمليّة السياسيّة
باريس ــ بسّام الطيارة
أعلن قبل أيام عقد لقاء لـ«مجموعة باريس»، التي تضمّ الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون، وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، نظيره النرويجي يوهانس غيير ستور ومبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط طوني بلير، إلى جانب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض. الاجتماع حضره، على نحو مفاجئ، وزير الخارجية المصري،أحمد أبو الغيط، ما شكّل أول إشارة إلى تحوّل المجموعة الرباعية إلى خماسية.
وعقد الاجتماع حول مائدة عشاء، على أن يعقبه مباشرة مؤتمر صحافي، وهو ما جذب عدداً لا بأس به من الصحافيين وكاميرات التلفزيون، رغم البرد القارس والحرارة التي انخفضت إلى أقل من ٥ درجات تحت الصفر في ليل باريس.
بعد دقائق انتظار طويلة في القاعة الذهبية أمام طاولة اصطفّت عليها ستة ميكروفونات، وجلست وراءها مترجمتان، خرج كوشنير ليقول بكل بساطة إنه «لن يعقد مؤتمر صحافي». واكتفى بتصريح فضفاض، تبيّن في ما بعد أنه بعض مقتطفات من بيان وزّع «باللغة الإنكليزية فقط».
وقبل أن يختفي الوزير، سألته «الأخبار» عما إذا كان «عدم قدوم المجتمعين للمؤتمر يمكن أن ينعكس تفسيره سلباً على مسار السلام؟»، فأجاب بنبرة حاول أن تكون هادئة «أنا متأكد من أنكم لن تفسروا هذا الغياب على نحو سلبي» ثم اختفى. بالطبع كان رد فعل الصحافيين متوافقاً على أنه «لو لم يحصل شيء ما داخل الاجتماع» لما امتنع المجتمعون عن مواجهة الصحافة وأسئلتها، وذلك رغم «تبريرات» الناطق الرسمي ومساعديه، الذين أكدوا أن «سبب هذا الامتناع هو التعب». إلا أن تصريح كوشنير كان يشير إلى ما أكدته مصادر عدة من أن «المسار السياسي متوقف»، وهو ما عبر عنه بقوله «يجب أن لا نشعر بالإحباط، بل يجب مضاعفة الضغوط على أصدقائنا الإسرائيليين، كما على أصدقائنا الفلسطينيين». قبل أن يستطرد «قررنا أن نلتقي كل شهرين».
وأكدت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أن مصر سوف تشارك من الآن وصاعداً في هذه الاجتماعات، وهو حسب هذه المصادر «مؤشر على تحول بارز في عمل اللجنة»، التي هدف إنشاؤها إلى متابعة نتائج المؤتمر الدولي الذي عقد في باريس عام ٢٠٠٧ للدول المانحة للدولة الفلسطينية، إذ تبيّن للجميع أنه «لا مجال لأي تقدم في المسار الاقتصادي التنموي ما دام المسار السياسي مجمداً».
ورداً على سؤال لـ«الأخبار»، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية، برنار فاليرو، «إن إعادة مسار السلام هي اليوم ضرورية». وقد بدا ذلك واضحاً من النقطة الرابعة من النقاط الـ ٩ التي حواها «البيان الإنكليزي»، إذ ذكر البيان أن «المانحين دفعوا حتى الآن ٥،٥ مليارات دولار من أصل ٧،٧ مليارات دولار وعدوا بها حتى عام ٢٠١٠»، في إشارة ضمنية إلى ربط المساعدات الباقية بالعملية السياسية.
مسألة غزة كانت في لبّ التوتر الذي قاد إلى إلغاء اللقاء مع الصحافيين
لم يستطع البيان إلا أن «يطالب السلطات الإسرائيلية بتحسين شروط تنقّل الأشخاص والسلع ليس فقط في الضفة الغربية»، في إشارة إلى غزة من دون ذكر اسمها. كما «لاحظ المجتمعون» عدم شرعية بعض الإجراءات وخصوصاً الاستيطانية في القدس، التي تضرّ بتحقيق هدف دولتين. البنود الستة التي تلت كانت «كلها سياسية». ويبدو أن البند الرابع كان وراء إثارة بعض التوتر، إذ إنه يشير إلى «الوضع الذي يرثى له في غزة بسبب الحصار»، مع التذكير بالنداءات المطالبة بفتح ممرات الحدود.
وقد رأى المراقبون أن الإشارة غير المباشرة إلى حصار مصر لغزة، عبر ذكر كلمة «حدود»، «كان مطلباً فلسطينياً». ويفسر هؤلاء بأن «فياض لا يستطيع أن يذهب بعيداً في عملية نهوض الوضع الاقتصادي من دون غزة».
وكان فياض قد ذكر، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون قبل لحاقه باجتماع الكي دورسيه، «صحيح أن بناء مؤسسات دولة فلسطين هو مسؤولية فلسطينية في المقام الأول، لكنها ليست بديلاً من العملية السياسية القادرة على إنهاء الاحتلال». وأكد حرص السلطة الوطنية على استمرار تحمل مسؤولياتها الكاملة إزاء أبناء شعبنا في القطاع، ورفع المعاناة عنهم. ويرى البعض أن فياض يريد «إعادة ترميم الثقة مع أهل غزة»، وبات يرى «الحزم المصري في منع مواد البناء والمواد الأساسية» عقبة في طريق إعادة اللحمة بين القطاع والضفة.
وقد علمت «الأخبار» في هذا الصدد أن «كميات من الزجاج» قد أدخلت أخيراً إلى القطاع في محاولة لاستيعاب غضب «دوائر فياض». وكان كوشنير قد بدأ «مداخلته المقتضبة» بالتساؤل والإجابة، وهي أسلوبه الجديد للتهرب من أسئلة الصحافة: «هل هذا يعني أن الدولة الفلسطينية تفرض نفسها؟» ويجيب «نعم في الواقع، نعم في مشاريع سلام فياض». ويسأل مجدداً «هل هذا يعني أن حصار غزة قد توقف؟» ويجيب «لا»، وهو ما أشار حسب أكثر من مراقب إلى أن مسألة غزة كانت في لب «التوتر الذي ينفيه الجميع»، والذي قاد إلى إلغاء اللقاء مع الصحافيين.


باراك متفائل وميتشل عائد

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال لقائه الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة أمس لبحث عملية السلام واستئناف المفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، أن إسرائيل «قبلت الرؤية القائمة على حل الدولتين، والاعتراف بكل الاتفاقيات التي وقّعتها الحكومات السابقة»، مشيراً إلى «قرار إسرائيل الأخير بتنفيذ عملية تجميد بناء مستوطنات جديدة لمدة عشرة أشهر، وهو أمر لم يحدث من قبل من جانب إسرائيل». وأمل باراك مجدداً أن «ينتهز الجانب الفلسطيني هذه الفرصة خلال الأسابيع المقبلة للوصول إلى أرضية مشتركة لاستئناف المفاوضات، بدلاً من الاكتفاء بالتكهن حول من هو الجانب المستعد حقاً للسلام». وأضاف «إننا في إسرائيل على استعداد للنظر فى أي أفكار، ما دامت تحقق أمن إسرائيل».
وبشأن موقف باراك من المقترحات المصرية لإعادة إحياء عملية السلام، قال «نحن نستمع بعناية واهتمام كبيرين إلى كل ما يطرحه مبارك والحكومة المصرية، ونتعامل معه بكل جدية».
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية على لسان الناطق باسمها أن ميتشل سيعود إلى المنطقة مجدداً «في المستقبل القريب»، مشيراً إلى أن «واشنطن ستظل ملتزمة تحقيق هدفها بإحلال سلام شامل في الشرق الأوسط».
إلى ذلك، أبدت وسائل الإعلام الروسية اهتماماً بزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى موسكو. وأعلنت صحيفة «كوميرسانت» أن «الزيارة تشير إلى أن أبو مازن يتوقع من موسكو أن تستغل علاقاتها الطيبة مع إسرائيل وتقنعها بتقديم تنازلات للفلسطينيين، بهدف فتح الباب أمام مواصلة المفاوضات».
(يو بي آي، أ ف ب، الأخبار)