دايفيد بالوف يدخل البيت الأبيض لوقف الانتكاسات الديموقراطيّةشهيرة سلّوم
«مساء الأربعاء (أمس)، الرئيس (باراك) أوباما سيُلقي خطابه الأول عن حالة الاتحاد. مرحلة دقيقة، يجب أن نُعيد تجمعنا وتركيزنا وانخراطنا في العمل. لقد تعرضنا لمطبات خطيرة في سباقنا نحو التغيير. بلادنا على مفترق طرق. وتصميم الرئيس لم يكن يوماً أقوى للقتال من أجل إصلاح الضمان الصحي، وخلق فرص العمل، وكبح جماح المصارف ومحاربة نفوذ جماعات الضغط المفرط»، هذا بعض ما جاء في رسالة الكترونية أخيرة موقعة من مدير حملة الرئيس الأميركي دايفيد بالوف.
سينتقل بالوف للعمل مستشاراً خارجياً للرئيس، بعد الضربة القاسية التي تلقاها الديموقراطيون إثر خسارتهم في انتخابات ولاية ماستشوستس لمجلس الشيوخ. وسيتولى قيادة عملية التواصل السياسية خارج البيت الأبيض، وتنسيق الجهود في سباقات مجلسي النواب والشيوخ وحكام الولايات. وسيشرف على عمليات الاستطلاع التي تهدف إلى توقع المشاكل باكراً.
ومنذ فوز أوباما في معركته الرئاسية التاريخية، خسر الديموقراطيون ثلاثة سباقات أساسية في نيوجيرسي وفيرجينيا (الحاكم)، وأخيراً ولاية ماستشوستس، التي كانت تُعدُّ مضمونة قبل شهر من الانتخابات. السبب الرئيسي، وفقاً لأكثر من مراقب، يعود إلى تراجع مزايا الديموقراطيين في الفضاء الافتراضي، في مقابل تقدم الجمهوريين، الذين انخرطوا للمرة الأولى في هذا الفضاء.
في هذا الشأن، يقول كاتب «نيويورك تايمز»، روس دوزات، إن الديموقراطيين ظنوا في لحظة مشرقة من انتخابات 2008 أنهم يملكون الإنترنت، في مقابل امتلاك الجمهوريين على مدى عقود طويلة وسائل الإعلام البديلة (الرسائل البريدية ثم البرامج الإذاعية ثم القنوات الإخبارية). ويضيف أنه إذا كانت «فوكس نيوز» صوت الجمهوريين، فإن «غوغل» و«يوتيوب» و«فيس بوك» كانت صوت الديموقراطيين. لكن مزايا استغلال هذا الفضاء الافتراضي تراجعت كثيراً مع تولي أوباما لمنصبه، بحسب دوزات، فقد استولى رجال السياسة الجمهوريون على موقع «تويتر»، وبات لسارة بالين نحو 1,2 مليون مؤيد على «فايس بوك». واستغل المرشح الجمهوري سكوت براون في انتخابات ماستشوستس الإنترنت لجمع التبرعات، وحظي بشعبية كبيرة على المواقع الاجتماعية في مواجهة خصمته الديموقراطية مارثا كوكلي، رغم أنه يخلص إلى أنه مع كل المزايا التي تقدمها الإنترنت، فإن التكنولوجيا تتغير، لكن السياسة تظل كما هي، وقوة المجتمع الإلكتروني لا تزال أقل من قوة النافذين.
ويذكر ميندي فين وباتريك رافيني (شركاء في شركة «إنكايج» للاستشارات السياسية) في صحيفة «واشنطن بوست» أن براون تمكن من جمع 12 مليون دولار من تبرعات 157 ألف شخص على الإنترنت خلال الأسبوعين الأخيرين قبل الانتخابات، وحشد شعبية هائلة على المواقع الإلكترونية، وكيف استيقظ الجمهوريون أخيراً وانخرطوا في عصر الويب.
أمام هذا الواقع، كان لا بد لأوباما أن يلجأ إلى «البطل المجهول، الذي خاض أفضل حملة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية»، وكذلك قدمه بعد انتخابه رئيساً فجر الخامس من تشرين الثاني 2008؛ فبالوف هو من قاد ثورة في التنظيم والتحفيز وحشد القواعد الشعبية واستخدام التكنولوجيا والإنترنت والتواصل المباشر مع المواطنين. ثورة اندلعت مع الحملة الانتخابية واستمرت لما بعده، وخلقت «جيشاً من جماعات الضغط»، على حد تعبير «ذا ويكلي ستاندر»، هو واحد من أكبر منظمات جماعات الضغط وأكثرها تعقيداً في التاريخ.
وتقول الصحيفة الأسبوعية إن «مهندس حملة أوباما لا يزال يتابع جهود حشد القواعد الشعبية، لتحقيق المنبر الممتاز كي تتوحّد ملايين الأصوات معاً لمساعدة الرئيس»، وإن «مؤيدي أوباما وضعوا استمرارية لا سابق لها للماكينة الانتخابية، ليعطوا بذلك معنى جديداً لما يسمى حملة دائمة». وبدلاً من نقل الجهاز السياسي إلى الهياكل التقليدية، كاللجنة الديموقراطية الوطنية أو المكتب البيضاوي للشؤون السياسية، سيحوّل أوباما العديد من العمليات الموثوق بها إلى منظمة جديدة».
ورأى الجمهوريون أنّ هذه العملية أمر باهر وذكي جداً «يُبقي دوائرك الانتخابية المركزية معبّأة ومطّلعة، وتخلق جبهة عمل لإعادة الانتخاب».
يُعرّف بالوف (42 عاماً) بأنه أحد أهم الأدمغة الديموقراطية، تكتيكي وغامض. كثيراً ما تحدثت عنه الصحافة، لكنه نادراً ما أدلى بتصريحات. تكتيكاته دفعت بالعديد من الطامحين إلى السلطة في أنحاء متفرقة من العالم إلى اللجوء لأساليبه في حملاتهم الانتخابية. فمع فريق مؤلف من 1000 شخص، إضافة إلى أكثر من مليون متطوع، جمع بالوف وأنفق عشرات ملايين الدولارات، واعتمد استراتيجية سمحت لأوباما بالتغلب على هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الديموقراطية، ثم توسيع الخريطة الانتخابية للديموقراطيين داخل الولايات الحمراء والانقضاض على الجمهوري جون ماكاين في عقر داره.
وبعد انتخاب أوباما، ظن كثيرون أن بالوف سينتقل معه إلى البيت الأبيض؛ وحين أُثيرت تكهنات بعد تعيين راحم عمانوئيل كبير موظفي البيت الأبيض، ردّ أوباما بالقول: «لا أزال بحاجة إلى بالوف». ومنذ انتهاء الحملة الانتخابية، شُغل بالوف في كتابه «ذا أوداسيتي تو وين» (الجرأة لكي تفوز) الذي صدر في تشرين الأول الماضي، وبقي على تواصل متقطع مع القاعدة الشعبية لحملة أوباما.
والرسالة أعلاه الموقعة من بالوف هي جزء من «الحملة الدائمة» لـ«منظمة من أجل أميركا»، التي تتواصل مع المناصرين، وتحمل تواقيع أوباما أو زوجته ميشيل أو ناتالي فوستر (مديرة وسائل الإعلام الجديدة) أو ميتش ستيورات (مدير المنظمة)، أو دايفيد بالوف.