أقرّ بعدم صلة صدّام بـ«القاعدة» وأكّد نيّة تغيير النظام... ونفاهاقد يكون يوم أمس، الأسوأ بالنسبة إلى رئيس الحكومة البريطاني السابق طوني بلير منذ فترة طويلة؛ مثل لـ6 ساعات أمام لجنة تحقيق. وضعٌ واجهه بعصبية على وقع هتافات وعيون معاديةلم ينتظر متظاهرو «ائتلاف أوقفوا الحرب» حكم «لجنة تشيلدون» على رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، فأصدروا حكمهم الرمزي عليه على اعتبار أنه «مجرم حرب». كان عدد من شارك منهم في تظاهرة يوم أمس متواضعاً مقارنة مع المسيرة المليونية الأكبر في تاريخ بريطانيا في 15 شباط 2003، إلا أنّ المتظاهرين الـ300 أصرّوا على قول ما لا يمكن قوله داخل قاعة لجنة التحقيق: «طوني بلير أين أنت؟ نريد أن نرميك بحذاء»، و«بلير كذب فمات الآلاف»، و«اسجنوا بلير مجرم الحرب».
كان بلير يسمع تلك الهتافات، فتعمّد تفادي المتظاهرين عبر دخوله إلى قاعة جلسة التحقيق من باب خلفي. وبدا الرجل، وهو المحامي والخطيب البارع، «كئيباً» وفق وصف وكالة «أسوشييتد برس»، أمام أنظار بعض أهالي عدد من القتلى البريطانيين في العراق، من أمثال روز جنتل وريغ كايس وشون بريرلي. إلا أنه لم يُسمح لهم بطرح أسئلتهم على رئيس وزرائهم السابق الذي «سبّب مقتل أبنائهم».
ووصف جنتل شعوره برؤية الرجل أمام لجنة التحقيق بالقول «شعرت بالقرف. كان يرتجف طيلة الوقت. كل العيون كانت مسلّطة عليه وهو أمر أسعدني». وتابعت الوكالة وصف وضع بلير أمام الأعضاء الخمسة للجنة، فأوضحت أنه كان «يتعمّد الابتسامات والتعبير والإيماء بيديه، وكان سلوكه يتجه إلى الحدّية مع مرور ساعات اليوم الطويل».
وخارج القاعة، قال ريغ كيس، والد توماس الذي قتل في العراق في 2004، «إنه يوم ننتظره منذ زمن طويل. أريد أن أسمع ماذا لديه ليقول». وأضاف «على بلير أن يفسّر لنا لماذا ضلّل البرلمان؟ لماذا تغيّرت المعلومات في الملف؟».
واستهلّ بلير شهادته، التي دامت 6 ساعات، بالتشديد على أنّ أحداث 11 أيلول 2001 غيّرت جذرياً مقاربة واشنطن ولندن للعراق، بسبب خشيتهما من التعرض لتهديد إرهابي من جرّاء احتمال أن تكون «دول مارقة» أو «دول فاشلة» مثل ليبيا وإيران وكوريا الشمالية والعراق، قد استحوذت على أسلحة دمار شامل.
وعن السبب المباشر الذي دفعه إلى المشاركة في احتلال بلاد الرافدين، جزم بلير بأنه كان «الخشية من التعرض لهجوم إرهابي، بما أنّنا كنا متأكدين من أن هؤلاء القوم (الدول السالفة الذكر) المتأثرين بفاشية دينية، كان يمكنهم قتل 30 ألف شخص لو استطاعوا ذلك. لذلك كان لا بدّ من وضع نهاية لهذا».
وسئل بلير عن شهادة السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة زمن الاحتلال، كريستوفر ماير، الذي كشف سابقاً عن أن رئيس حكومته «وقّع بالدم» على دعم «صديقه» الرئيس الأميركي السابق جورج بوش منذ لقائهما الشهير في مزرعة الأخير في تكساس في نيسان 2002، فأجاب بأن «التعهد الوحيد الذي قدّمته حينها كان أنني سأتصرف مع (الرئيس العراقي الراحل) صدّام (حسين)». لكنّ بلير، رغم اعترافه بأنّه ناقش الخيار العسكري مع بوش في ذلك الاجتماع، عاد وأصرّ على أنه شدد على مسامعه أنه يريد أن تُستنفد جميع الخيارات الدبلوماسية قبل اللجوء إلى الاجتياح.
ورداً على سؤال قال بلير «ما كنت أقوله (لبوش) ـــــ ولم أقل ذلك في السر ـــــ إننا سنكون معكم في مواجهة هذا التهديد لإبعاده. لكن الطريقة التي ينبغي من خلالها معالجة هذه المسألة كانت مفتوحة للنقاش». وعندما سأله أعضاء اللجنة عمّا فهمه بوش من لقائهما في مزرعته في كروفورد، أجاب «أعتقد أن ما فهمه هو بالضبط ما كان ينبغي أن يفهمه، وهو أنه إذا تقرر العمل العسكري في غياب أي وسيلة للحل الدبلوماسي، فسنكون معه». وتابع «الواقع أن القوة هي دائماً خيار. ما تغيّر بعد 11 أيلول هو أنه في حال الضرورة، وإن لم يكن من سبيل آخر لإبعاد التهديد، فسيتعيّن علينا قلب نظام صدام حسين».
ثمّ عاد وجزم بأنّ إطاحة نظام صدام حسين لم تكن هدف الحملة العسكرية، مكذّباً ما سبق أن قاله في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن أنّ «تغيير النظام» العراقي كان أساسياً في الغزو. وقال «لم أستخدم عبارة تغيير النظام في تلك المقابلة، ولم تكن لدي أي نية لتغيير المبرر الأساسي للحرب». وأضاف «كل ما قلته إنه لم يكن ممكناً وصف طبيعة التهديد بالطريقة نفسها لو كنا نعلم وقتها ما نعلمه الآن»، وهو أنه لم يُعثر على أسلحة دمار شامل. وأشار إلى أن تلك المقابلة «لم تظهر أي تغيير في الموقف الذي بني على فحوى قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وهو الذي شرّع الحرب».
واعترف بلير بأن لندن كانت تعرف أن لا صلة بين صدام حسين وتنظيم «القاعدة»، لكنه لفت إلى أنه كان «واثقاً تماماً» بأن الغرب كان سيتحمّل التبعات لو أتيح لصدام حسين مواصلة برنامج أسلحة الدمار الشامل.
(أ ب، أ ف ب، الأخبار)