بعد أكثر من ثماني سنوات على أحداث 11 أيلول، ومن ثم إنشاء معتقل غونتنامو، أخيراً بات من المقرّر أن يمثل المتهمون الأساسيّون في الهجمات أمام محاكم فدرالية، بعد تجربة محاكم عسكريّة غير ناجحة في عام 2008. خمسة متهمين أساسيّين ينتظرون لائحة الاتهام الرسميّة، التي من المؤكّد أنها ستستند إلى الكثير مما تسرّب عن دور لكل منهم في التحضير والتخطيط للهجمات
حبيب إلياس
بعد انتظار طويل لقرار وزير العدل الأميركي، ايريك هولدر، عن سبل محاكمة خمسة متهمين بتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول، صدر القرار بالاحتكام إلى المحاكم الفدرالية. لكن هذا ليس إلا الخطوة الأولى في طريق طويلة. الآن بدأ العمل لتقديم لائحة الاتهام، وخصوصاً أن المحاكمات تبدأ في نيويورك بعد نحو سنة من اليوم. من هم هؤلاء المتهمون؟ وماذا تملك الولايات المتحدة من أدلة لبناء قضية محكمة ضدهم؟

خالد شيخ محمد

يأتي خالد شيخ محمد في طليعة خمسة متهمين أساسيين، وتصفه الاستخبارات الأميركية بأنه من أخطر الإرهابيين في التاريخ. وبحسب البنتاغون، فهو أقرّ بمسؤوليته عن هجمات 11 أيلول، كما اعترف بضلوعه في 30 مخططاً إرهابياً آخر، بما في ذلك هجوم على ساعة بيغ بين ومطار هيثرو في لندن وقطع رأس الصحافي الأميركي دانييل بيرل في باكستان عام 2002، وذلك حسب ما جاء في تقرير عن جلسة الاستماع إليه في غونتنامو.
حسب البنتاغون، أقرّ شيخ محمد بمسؤوليته عن هجمات 11 أيلول واعترف بضلوعه في 30 مخططاً آخر
ويعتقد أن خالد شيخ محمد كان الرجل الثالث في تنظيم «القاعدة»، قبل أن يلقى القبض عليه في مخبأ في باكستان في آذار 2003. وبقي رهن الاعتقال لدى السلطات الأميركية في مكان سرّي منذ ذلك الحين إلى أن نقل إلى غونتنامو في عام 2006. ويقول شيخ محمد، الكويتي المولد والباكستاني الأصل، إنه التحق بجماعة «الإخوان المسلمين» عن عمر يناهز 16 عاماً. وبعد إتمام دراسته الجامعية في الولايات المتحدة في الهندسة الميكانيكية في عام 1986، توجّه إلى أفغانستان للقتال ضد القوات السوفياتية، حيث التقى زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، كما ساعد في الإشراف على تمويل تفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993. وفي عام 1999، أصبح المسؤول الإعلامي في التنظيم. وكان يتمتع بشعبية واسعة داخل «القاعدة»، حيث كان يوصف بالـ«الذكي والفعال». وشارك شيخ محمد في مخطط في الفيليبين لتفجير طائرات ركاب فوق المحيط الهادئ في تسعينيات القرن الماضي، فيما أطلق عليه «عملية بوجينكا (الانفجار الكبير)». وفي أواخر 2001، أصبح من كبار القادة الميدانيين في تنظيم «القاعدة».
ويبرز اسم شيخ محمد جلياً في تقرير لجنة التحقيق في أحداث 11 أيلول. كما استخدمت اعترافاته من قبل محامي الدفاع عن زكريا الموسوي، الفرنسي، المغربي الأصل والمدان الوحيد في ملف 11 أيلول. إلا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لديها القليل من المعلومات التي تربطه بهجمات 11 أيلول، والمعلومات التي لديها عنه كانت عبر ربطه بعدد من الأسماء المستعارة.

رمزي بن الشيبة

يتهم رمزي بن الشيبة، المعروف أيضاً برمزي عمر، من قبل الولايات المتحدة بكونه منسق هجمات 11 أيلول. وبحسب تقرير لجنة التحقيق، فإن رمزي بن الشيبة أصبح من أبرز عناصر خلية تنظيم «القاعدة» في مدينة هامبورغ الألمانية بعدما طلب اللجوء إليها في أواخر التسعينيات، وواصل دراسته الجامعية هناك.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن رمزي بن الشيبة، الذي اعتقل في باكستان في أيلول 2002، التقى في عام 1997 محمد عطا، زعيم خلية هامبورغ، واثنين آخرين من المجموعة التي اختطفت طائرات 11 أيلول، وهما: مروان الشهري وزياد الجراح. وبعد عامين، توجّه الأربعة إلى أفغانستان حيث التقوا ببن لادن.
ويضيف المصدر نفسه أنه كان مقرراً لابن الشيبة أن يكون ضمن المجموعة التي اختطفت الطائرات، لكنه لم يحصل على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، شارك في الهجمات بنقل الأوامر من قيادة التنظيم في باكستان وأفغانستان إلى عناصره في الولايات المتحدة وألمانيا. كما تكفل بسفرهم وتحويل الأموال إليهم. وينسب إليه إيجاد مدارس تعليم الطيران لمنفذي الهجمات، وتأمين تمويل الدروس، كما يقال إنه أعدّ شريط استشهاده من ضمن تحضيره لتنفيذ الهجمات.
وتقول الاستخبارات الأميركية إن رمزي بن الشيبة غادر ألمانيا قبل الهجمات بأسبوع، وتوجه إلى أفغانستان ثم إلى باكستان، حيث تعاون مع شيخ محمد في مخططات لمهاجمة أهداف في الغرب، بما في ذلك خطة لإسقاط طائرة في مطار هيثرو.
وفي مقابلة مع صحافي من قناة «الجزيرة» القطرية في عام 2002، روى بن الشيبة له تفاصيل عن مخططات 11 أيلول، بما في ذلك دليل لقيادة الطائرات يحمل توقيع محمد عطا.

مصطفى أحمد الحوساوي

تشير الولايات المتحدة إلى السعودي مصطفى أحمد الحوساوي على أنه أحد كبار المسؤولين الماليين في تنظيم «القاعدة» الذين استعان بهم خالد شيخ محمد لتمويل تفجيرات 11 أيلول، وكانت له علاقات بعدد من منفذي الهجمات.
كما وجدت سجلات لمعاملات مالية بين الحوساوي ومتهمين آخرين والمجموعة التي اختطفت الطائرات، وكلّف بتنظيم سفر البعض منهم. وتعتقد السلطات الأميركية أن الحوساوي التقى عدداً من قياديي «القاعدة»، بما في ذلك أسامة بن لادن، بعد الهجمات بفترة وجيزة.
وتم ذكر الحوساوي، الذي اعتقل في باكستان عام 2003 مع خالد الشيخ، في ملف دفاع زكريا الموساوي، إذ قال محامون إنهم رأوه في أحد مجالس «القاعدة» في قندهار في بداية 2001، لكن لم تكن له أي علاقة به.

علي عبد العزيز علي

روى بن الشيبة لـ«الجزيرة» تفاصيل مخططات 11 أيلول، بما في ذلك دليل لقيادة الطائرات يحمل توقيع محمد عطا
يتهم علي عبد العزيز علي، المعروف أيضاً باسم عمار البلوشي، بكونه أحد أهم مساعدي عمه، خالد شيخ محمد، في عمليات 11 أيلول. ولد علي عبد العزيز علي في بلوشستان باكستان، وترعرع في الكويت، وكان ملهمه الأكبر ابن عمه رمزي يوسف، الذي سجن في الولايات المتحدة بتهمة تدبير تفجير مركز التجارة العالمي في 1993.
ويقول مسؤولون في الاستخبارات الأميركية إن علي سلّم مبالغ مالية لمختطفي طائرات 11 أيلول، وساعد خالد شيخ محمد على التواصل مع ريتشارد ريد المعروف بـ«مفجّر الحذاء»، الذي دسّ متفجرات في حذائه وحاول إشعال فتيلها على متن إحدى الرحلات الجوية في عام 2001، والذي ينفذ حكماً مؤبداً، وكذلك مع إرهابيين آخرين. وتقول المصادر نفسها إن علي عبد العزيز علي تبنّى، بعد اعتقال عمه، مسؤولية مخطط اختطاف طائرة في مطار هيثرو في لندن وتفجير أهداف غربية في كراتشي في باكستان.
ولما اعتقل، كان علي عبد العزيز علي على بعد أيام فقط من إنهاء استعداداته لمخطط كراتشي.

وليد بن عطاش

تقول السلطات العسكرية الأميركية إن اليمني وليد بن عطاش، أقرّ بالتدبير لتفجير المدمرة الأميركية «يو اس اس كول» في اليمن عام 2000، وهو الهجوم الذي أدى الى مقتل 17 بحاراً أميركياً. كما أقرّ بالوقوف وراء التفجيرات التي استهدفت السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، التي خلفت 213 قتيلاً عام 1998، بالإضافة الى مشاركته في حرب أفغانستان الى جانب «طالبان» خلال فترة التسعينيات.
وتضيف المصادر نفسها أن وليد بن عطاش، المعروف أيضاً باسم توفيق بن عطاش، كان قيادياً بارزاً في تنظيم القاعدة منذ 1998 إلى أن اعتقل مع علي عبد العزيز علي عام 2003. ويتهم بن عطاش بالضلوع في هجمات 11 أيلول حيث التقى اثنين من مختطفي الطائرات، نواف الحمزي وخالد المحضار. وحسبما جاء في تقارير أجهزة الاستخبارات، فإن بن عطاش اختير هو الآخر ليكون من مختطفي الطائرات، لكن تعذرت عليه المشاركة في العملية لاعتقاله لفترة وجيزة في اليمن في العام نفسه. ويعتقد أنه كان حارس أمن شخصياً لبن لادن.
ويقول المسؤولون الاستخباريّون إن بن عطاش كان يخطط لمهاجمة القنصلية الأميركية في كراتشي الى جانب علي عبد العزيز علي، لكنه اعتقل خلال عملية أمنية في المدينة. ويتهم بن عطاش أيضاً بالضلوع في مخطط يستهدف مطار هيثرو.

لماذا المحكمة الفدرالية؟

طرح قرار محاكمة المتهمين الخمسة أمام محكمة فدرالية مشكلة كبيرة للرأي العام الأميركي المتخوف من أن يؤدي ذلك القرار إلى زيادة خطر التعرض لهجمات انتحارية وإلى إفلات المتهمين من التهم الموجّهة إليهم. إلا أن وزير العدل الأميركي قلّل من المخاوف، معتبراً أن المحاكم الفدراليّة لديها تاريخ طويل من المحاكمات الناجحة لإرهابيين.


مقاضاة فدرالية لـ«الإرهاب»

على مرّ السنوات الـ 15 الماضية، اكتسبت المحاكم الفدرالية والقضاة الفدراليون الخبرة اللازمة للتعاطي مع محاكمات على غرار 11 أيلول. ويأتي في مقدمة من مثل أمام مثل هذه المحاكم منفذ تفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993، رمزي يوسف. كما أن إدارة الرئيس السابق جورج بوش استعملت المحاكم الفدرالية في عدد كبير من المحاكمات ضد إرهابيين منها محاكمة زكريا موسوي (الصورة)، الذي حكم بالسجن المؤبد، والذي وجهت إليه تهم مشابهة للتي توجه إلى المشتبه فيهم الخمسة. وهناك أيضاً عنصر «القاعدة» الأميركي الجنسية جون والكر ليند، وعميل «القاعدة» جوزيه باديلا المعروف أيضاً باسم عبد الله المهاجر، و«ستة لوكوانا» الذين اتهموا بتأمين المساعدة المادية لـ«القاعدة»، ويقضي معظم هؤلاء محكوميتهم في سجن كولورادو.