هل يمكن التفاوض مع الحقائق العلمية؟ الإجابة بنعم تعني أن العدّ العكسي لجعل كوكب الأرض مكاناً غير صالح للعيش، سينطلق اليوم في كوبنهاغن. القمة التي ستشغل العالم على امتداد أسبوعين، سيتقرّر مصيرها لحظة وصول باراك أوباما إلى «بيلا سنتر»؛ عندها سيُعطى الضوء الأخضر للخروج باتفاق سياسي عام لا يغرق في التفاصيل، حيث يقيم دائماً شيطان المال والسطوة
بسام القنطار
يجتمع، اليوم، ممثلون عن 190 دولة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، سعياً لإبرام اتفاق «عادل وشامل وقوي من الوجهة العلمية بشأن تغيّر المناخ». ومن المتوقع حضور أكثر من 15 ألفاً من الصحافيين وأعضاء الوفود، مؤتمر الأمم المتحدة الإطاري الخامس عشر الذي يبدأ أعماله اليوم في بيلا سنتر، وسط العاصمة الدنماركية.
وبعد عامين من العمل، وبعد 12 عاماً من آخر محاولة دولية في هذا المجال، تدفّق مندوبو الدول إلى كوبنهاغن لحضور المؤتمر الذي يستهدف التوصل إلى اتفاق عالمي جديد يحلّ محل بروتوكول كيوتو (1997) الذي تنتهي مفاعيله عام 2012.
لقد نجح البيئيون والعلماء، إلى حد بعيد، في جعل التغير المناخي القضية الأساسية فى القرن الحادي والعشرين، وفي زيادة الوعي العام حول أثر هذه الظاهرة على مختلف مناحي الحياة: من صحة الاقتصاد إلى صحة الإنسان. من أمن الطاقة إلى الزراعة والثروات المائية والبيئة، وصولاً إلى الأمن الدولي برمّته.
مسوّدات عديدة تُطرح فوق الطاولة وتحتها، وسيناريوات كثيرة متوقعة في اليوم الأخير من المفاوضات التي تمتد إلى أسبوعين، وتنتهي في 18 من الشهر الجاري.
وفي مقابل الشعار الذي تطرحه جماعات البيئة: «لا يمكن التفاوض مع الحقائق العلمية»، يبدو واضحاً أنّ استطلاعات الرأي العالمية حاولت أن تتشكك مجدداً في الحقيقة العلمية التي تقول إن 95 في المئة من أسباب تغير المناخ، تعود إلى النشاط الإنساني، وهو ما كان واضحاً ومثبتاً في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي صدر عام 2007، ونال أعضاؤه جائزة نوبل للسلام في حينها.
مشروع دنماركي يحمّل الدول الغنية مسؤوليّة عدم تجاوز سقف ارتفاع الدرجتين
وأظهر مسح أجرته كل من مؤسّسة نيلسن لاستطلاعات الرأي وجامعة أوكسفورد، أن 37 في المئة من أكثر من 27 ألف مستخدم للإنترنت في 54 دولة، قالوا إنهم «قلقون جداً» بشأن التغير المناخي، فيما كان هذا الرقم 41 في المئة في استطلاع مماثل أجري قبل عامين. ويلاحَظ أنّ القلق لدى المُستطلعين بلغ ذروته في أميركا اللاتينية ودول آسيا والمحيط الهادئ.
ويرجّح تقرير الأمم المتحدة أن يزداد ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2100 ضمن نطاق يتراوح ما بين 1,1 درجة إلى 6,4 درجات مئوية. ووضعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أفضل تقدير للطرف الأدنى من هذا النطاق عند 1,8 درجة مئوية، وأفضل تقدير للطرف الأقصى عند 4 درجات مئوية. وفيما تضع غالبية دول العالم نصب عينيها هدف وقف ارتفاع حرارة الأرض لكي لا يتجاوز درجتين مئويتين، فإن الالتزامات التي أعلنتها، حتى اللحظة، الدول الكبرى المؤثرة، تظهر أنها غير معنية بالوصول إلى الطرف الأقصى أي 4 درجات مئوية.
ويخلّف ارتفاع حرارة الأرض درجتين مئويتين، انعكاسات جسيمة تتمثل في تراجع الأمطار في منطقة البحر المتوسط، وذوبان الثلوج القطبية، وخطر الانقراض المتسارع لثلاثين في المئة من الأنواع النباتية والحيوانية، وابيضاض الشعب المرجانية، وزيادة الأضرار الناجمة عن العواصف والفيضانات.
أمّا في حال وصول الارتفاع إلى ثلاث أو أربع درجات، فسيخلف ذلك نتائج مأسوية مثل انقراض الأنواع النباتية الرئيسية في مختلف أنحاء العالم، وتراجع المحاصيل الزراعية وخصوصاً الحبوب، واتساع رقعة المناطق الساحلية التي تضربها الأمطار الغزيرة، وظهور أمراض أكثر ضراوة.
ويتطلب البقاء تحت مستوى الدرجتين، وفق «الفريق الدولي»، خفض مجمل الانبعاثات العالمية للغازات إلى النصف بحلول 2050، وهذا يعني أنّ المستوى الأقصى للانبعاثات ينبغي أن يتحقق في 2015، على أن يبدأ بالتراجع في 2020.
وقد حثّت مسوّدة طرحتها الدنمارك، أن تتحمل الدول الغنية العبء الأكبر، أي ما نسبته 80 في المئة، للوصول إلى هذا الهدف. لكن أيّاً من القوى الرئيسية حول طاولة المفاوضات في مؤتمر كوبنهاغن لم توافق حتى اللحظة على هذه المسودة. فبالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبعد ثماني سنوات من الجمود في ظل إدارة جورج بوش، غيّر وصول باراك أوباما المعطيات. ويناقش مجلس الشيوخ الأميركي حالياً، قانوناً حول المناخ، وإن كان لا يُتوقع أن يُطرح للتصويت قبل ربيع العام المقبل. والولايات المتحدة هي البلد الصناعي الوحيد غير الموقّع على بروتوكول كيوتو، وهي بذلك متخلّفة عن الدول الأخرى في مجال التدابير التي تحدّ من ارتفاع حرارة الأرض.
ستدافع دول «أوبك» عن الذهب الأسود برؤية وموقف مشتركين
وأخيراً، أعلنت إدارة أوباما أنها ستتعهد في كوبنهاغن بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بنسبة 17 في المئة في 2020، على أساس مستويات عام 2005، وهذا يعني 4 في المئة بالنسبة إلى مستويات 1990 التي اعتمدت أساساً لبروتوكول كيوتو. كما تعهّدت بأن تخفض انبعاثاتها بنسبة 42 في المئة في 2030 على أساس مستويات 2005. وكان الإعلان عن نية أوباما حضور اليوم الأخير من المفاوضات إشارة واضحة إلى أن إدارته تعتزم الوصول إلى نتيجة محدّدة في المؤتمر.
في مقابل ذلك، يوحي الاتحاد الأوروبي بأنه يتزعّم حركة مكافحة التغير المناخي. وخلال الفترة التي أعقبت صدور «كيوتو»، التزمت دول الاتحاد، منذ 2008، بخفض انبعاثاتها بنسبة 20 في المئة بحلول 2020، مقارنة مع مستويات 1990. وفي حال التوصل إلى اتفاق دولي في كوبنهاغن، سيرفع الاتحاد استعداده لرفع النسبة المستهدفة إلى 30 في المئة. وقد انضمت روسيا إلى الموقف الأوروبي أخيراً، معلنة، في 18 تشرين الثاني الماضي، خلال قمة روسيا والاتحاد الأوروبي في ستوكهولم، أنها ستسعى إلى خفض انبعاثاتها بين 20 و25 في المئة بحلول عام 2020، مقارنة بعام 1990، بعدما كانت قد تحدثت عن نسبة لا تتجاوز 15 في المئة.
أما الدول الكبرى الناشئة، وفي مقدمها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، فلا تزال تصرّ على «المسؤولية التاريخية» للدول الصناعية الشمالية في ضخ الغازات الدفيئة في أجواء الأرض، وتذكر بأنها لن تضحّي بنموها الاقتصادي ولا ببرامج مكافحة الفقر. ولم تتبنَّ هذه الدول بعد، هدف خفض الانبعاثات، وليس هناك من يطالبها بذلك أصلاً. ويقتصر تعهّدها على عدم زيادة حجم هذه الانبعاثات.
وفي السياق، أعربت الصين، أكبر الملوثين على مستوى العالم، عن عزمها على خفض «كثافة الكربون» بين 40 إلى 45 في المئة بحلول 2020، مقارنة مع مستوى 2005.
وتطالب القارة الأفريقية، وهي الأكثر تضرراً من التغير المناخي، الدول الصناعية «بإصلاح الأضرار وبتعويضات» لمكافحة التغير المناخي من جهة، ولكي تتمكن من التكيف مع تلك التغيرات من جهة ثانية.
وفي سياق التعويضات المالية، طالب أمين السر التنفيذي لاتفاقية التغير المناخي إيفو دي بوير، بمساعدة الدول الفقيرة بمبلغ 30 مليار دولار لمساعدتها على التعامل مع التغير المناخي، ولدفعها إلى خفض انبعاثاتها من الكربون.
وتنقسم هذه الدول في مواقفها، وقلّما يُسمَع صوتها خلال المفاوضات. أما الجزر الصغيرة التي يهدّد ارتفاع مياه البحار وجودها نفسه، فهي تتجمع ضمن تحالف «أوسيس» الذي تمكنت من خلاله من إيصال صوتها بوضوح. وترى هذه الدول أن الهدف المعلن والمتمثل بوقف ارتفاع حرارة الأرض لكي لا يتجاوز درجتين مئويتين، ليس طموحاً، وتطالب بالعمل على خفض هذا الارتفاع في درجات الحرارة العالمية إلى درجة ونصف درجة.
في مقابل ذلك، يتراوح الموقف العربي بين اللامبالي أو الصامت؛ وحدها الدول النفطية، تتقدمها السعودية، تحارب من أجل ألا يتم التعهد بفرض ضريبة على الكربون، كونها «قد تكلف الدول المصدرة للنفط والغاز، خسارة تقدر بنحو 3 آلاف مليار دولار حتى عام 2050».
ورغم الانقسام داخل مجموعة دول «أوبك» بين الأعضاء «المتشددون» أو «الصقور» مثل إيران وفنزويلا والجزائر وليبيا، وبين دول الخليج وأبرزها السعودية، أول منتج عالمي للنفط، فإن المراقبين يلاحظون أن «أوبك ستذهب برؤية وموقف مشترك إلى كوبنهاغن دفاعاً عن الذهب الأسود».
وبالنسبة إلى دول مثل مصر وتونس ولبنان وسوريا والأردن، فهي ترفع مواقف معلنة حول التضامن العربي والتضامن بين دول مجموعة الـ 77، لكن من المعلوم أنّ جميع الدول العربية غير النفطية تبحث أولاً عن التمويل بهدف التكيف مع آثار تغير المناخ، رغم أن أياً منها لم تقدم خططاً واضحة في هذا المجال، على غرار البرازيل بالنسبة إلى موضوع الغابات، أو ما فعله العديد من الدول الأفريقية في موضوع الملاريا وحمى الضنك وغيرها من الأوبئة والأمراض التي تهدد القارة السوداء أكثر من أي وقت مضى بسبب تغير المناخ.


نتنياهو يلغي مشاركته بسبب نجاد(الأخبار)