منذ إعلان نتيجة الاستفتاء السويسري عن حظر بناء المآذن، يدور الحديث في أوروبا حول الانعكاسات على باقي الدول. في فرنسا لا استفتاء إلى الآن على بناء المآذن أو المساجد، لكن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى نتيجة مماثلة قد يخرج بها الناخبون الفرنسيون، رغم أن بناء المساجد أو المآذن في فرنسا خاضع لعقبات تُغني عن الاستفتاء

باريس ـــ بسام الطيارة
أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أنه لا يعارض بناء «المآذن» في فرنسا، في أول تعليق له على استفتاء سويسرا. مقاربة ساركوزي، مثلها مثل مقاربة كل التعليقات التي طغت على صفحة الإعلام، جاءت لتحصر المسألة في «المآذن» لتجنّب «المسألة الأم»، وهي مبدأ «حرية بناء المساجد»، وبالتالي حرية المعتقد الذي تكفله القوانين الأوروبية وشرعة حقوق الإنسان.
الحديث في الشارع، وفي وسائل النقل وعلى مواقع الإنترنت، ينصبّ على المآذن وعلى «خرقها للمشهد الأوروبي واغتصابها لنمط التنظيم المدني»، فهي من «مناظر الشرق ونحن في الغرب»، كما كانت امرأة تجادل في مقهى باريسي، من دون أن تتطرق لجوهر «ممارسة الفرنسيين المسلمين للشعائر الإسلامية»، وهو ما يشير إليه كل الذين انتقدوا الاستفتاء السويسري.
في الواقع، فإن تعداد المسلمين في فرنسا يزيد على ستة ملايين مسلم، بحسب آخر إحصاءات (لا تتناول المهاجرين الذين يحملون إقامات ولم يتجنسوا بعد). وبالطبع، فإن جميعهم لا يترددون على المساجد بصورة دائمة، غير أن عدداً كبيراً منهم يؤدون واجباتهم الدينية في مساجد وفي أماكن عبادة مخصصة، تختلف درجة موافقتها لحد أدنى من شروط مراعاة النظافة، وخصوصاً العمال وسكان الضواحي.
ويبلغ عدد المساجد في فرنسا نحو ١٦٣٠ مسجداً ودار صلاة تقع غالبيتها في أقبية الأبنية، وفي هنغارات في الضواحي وفي المناطق الصناعية. ورغم أن الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا، فإن الإجراءات الإدارية كانت تعطّل على نحو منهجي توسيع المساجد وبناء أخرى جديدة. وقد عمل ساركوزي، حين كان وزيراً للداخلية، على إنشاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي بدأ منذ ٢٠٠٥ العمل على تأطير مشاريع بناء المساجد وضبط تمويل المساجد وتشييدها عبر مؤسسة مالية متخصصة. لا يعني هذا أنّ هناك عرقلة منهجية لبناء المساجد في فرنسا، أكان ذلك مع مئذنة أم من دونها، فالأمر يتجاوز مسألة «المنع الإداري» ويطال «استقبال المواطنين لمشروع بناء مسجد»، كما هو الحال في أي عملية بناء لصرح في أوروبا عموماً.
ويعود هذا لنظم «اللامركزية الإدارية والبلدية»، التي تقود سبل التنظيم المدني في أوروبا. فالبلديات تحتفظ من حيث المبدأ بحق إعطاء «رخص بناء» ضمن حدود أراضيها. وبالتالي، فإن مجلس البلدية ورئيسها هو الذي يقرر قبول أو رفض مشروع بناء مسجد أو أي صرح في نطاق بلديته.
وبالطبع، فإن أعضاء المجلس «المُنتَخَبين» لا يستطيعون الذهاب في اتجاه معاكس لما تريده أكثرية «الناخبين»، ومن هنا يمكن تبيان أن الرخص المعطاة لبناء مساجد في فرنسا تكون في مدن فيها «وجود إسلامي مكثّف ومؤثّر انتخابياً»، وفيها تظهر المساجد الكبرى. وفي الكثير من الأحيان، يتضامن مواطنون غير مسلمين للمطالبة ببناء مسجد في مدن فيها غالبية إسلامية تمارس شعائرها في أماكن «غير لائقة». أما في المدن التي لا جاليات إسلامية فيها أو يكون عددها بسيطاً، فيكون الأمر غير مطروح البتة؛ لا مطالبات ببناء مسجد، وإن وجدت، فإن قبولها أو رفضها لا يثير جدلاً واسعاً. إلا أن صدور رخصة البناء من البلدية يكون مشروطاً «بعدم تعارضه مع القوانين العامة» التي تحددها الحكومة عموماً (مثل شروط المحافظة على البيئة وتجنب تخريب الأبنية القديمة للمحافظة على التراث، أو الخضوع لشروط صحية معينة حفظاً للصحة العامة) وألا تمثّل «تهديداً للأمن العام» (مثل أمكنة بناء التجهيزات الرياضية لجهة استيعابها للجموع الغفيرة أو محولات الكهرباء أو محطات تصريف المياه وما شابه).
لذا، فإن رخص البناء لا تبدأ صلاحيتها إلا بعد فترة ٦٠ يوماً للسماح لمحافظ المنطقة، أي ممثل الدولة، بوضع «فيتو» على الرخصة إذا رأى أنها تتعارض مع القوانين العامة المركزية. وفي حال رفضِ المحافظ، يمكن المستفيد من رخصة البناء الاعتراض على القرار وعدّه تعسفياً و«استئناف» الأمر أمام المحكمة الإدارية. كذلك يحق لإدارة حفظ التراث المعروفة بـ«مهندس فرنسا»، أن تعترض إذا كان البناء «مخالفاً للتراث الهندسي النمطي».
وبعكس قرار المحافظ، فإن قرار لجنة التراث نهائي لا يمكن تجاوزه، إلا بتغيّر نمط المشروع الهندسي ليتطابق مع «ملاحظات مهندس فرنسا»، وفي أغلب الأحيان يتوصل الطرفان إلى اتفاق وتُعَدَّل الخرائط بما هو ملائم ويظهر المشروع إلى الضوء.
في خلاصة الأمر، إن اعتراض المحافظ يكون إدارياً مبنياً على قوانين يمكن مقارعتها بالحجج القانونية، بينما اعتراض هيئة التراث يكون مبنياً على «وجهة نظر فنية ثقافية شخصية» يمكن الحوار بشأنها. ومن هنا تبرز «خطورة إسقاط الاستفتاء السويسري على الخطاب السياسي» الذي أراد من وقف وراءه «سن قوانين عامة» تُخضع القرارات الإدارية والبلدية وقرارات هيئات التراث لقانون «منع عام ومطلق» لبناء المآذن «من حيث المبدأ»، وما يجره من تآكل لحرية تصرف البلديات لمراعاة شعور قسم من مواطنيها.
يأتي هذا في سياق مناخ يعبق بـ«الإسلاموفوبيا» القوية، خير معبّر عنه ما قالته رئيسة الحزب الديموقراطي المسيحي الفرنسي، الوزيرة الساركوزية السابقة كريستين بوتان، عن أن المآذن «رمز لأرض الإسلام، وفرنسا ليست أرض إسلام».
ولا يناقض الجدل بشأن المساجد موضوع «الهوية الوطنية»، الذي طُرح على النقاش العام بمبادرة من «وزير الهوية الوطنية والهجرة» إريك بيسون. وفي حين أن موجة الحديث عن قيم الجمهورية المرتبطة دائماً بالهوية، وبالتالي بأصول المهاجرين التي تقود اللاوعي الفرنسي نحو الإسلام، كانت تثار في كل استحقاق انتخابي منذ استعملها ساركوزي للوصول إلى الإليزيه، فإنها هذه الأيام لا تبدو عابرة، لا بل مؤهلة لاحتلال حيز من الساحة السياسية. فقد باتت مسألة «أوروبية» يتناولها السياسيون يومياً ويتعامل معها الإعلام كأنها ركن من أركان مقومات «حل مشاكل فرنسا»، مثلها مثل البطالة أو العنف أو وباء الأنفلونزا الموسمي، وباتت كل المسائل المتعلقة بالإسلام والتعامل معه تخضع لاستطلاعات رأي شبه يومية.
وجاءت نتائج آخر استطلاع للرأي بشأن المآذن، أجراه معهد «إيفوب» لمصلحة صحيفة «لو فيغارو»، ليمثّل صدمة للفرنسيين، إذ تبين أنه إذا طرح استفتاء على «بناء المساجد» على الفرنسيين تكون النتيجة هي ذاتها التي خرجت في سويسرا. وتبين أن نسبة كبيرة جداً تعارض بناء المساجد، لا «إعلاء المآذن» فقط.
وجرت مقارنة بين النتيجة الجديدة واستطلاع مشابه جرى مباشرة بعد هجوم الحادي عشر من أيلول عام ٢٠٠١، فأظهرت أن عدد المعارضين لبناء المساجد كان حينها بحدود ٢٢ في المئة وبات اليوم يقارب ٤١ في المئة، ويزيد العدد في ما يتعلق بالمآذن ليصل إلى ٤٦ في المئة.
وتواكب تصريحات بعض السياسيين هذه الموجة: الأمين العام لحزب اليمين الحاكم «اتحاد الأكثرية الشعبية» كزافيه برتران لم يتردد في القول إن «فرنسا ليست بحاجة إلى مآذن»، فيما حاول رئيس الوزراء فرنسوا فيون ترطيب الجهر بالخوف من الإسلام بقوله: «ما يجب علينا محاربته هو التطرف لا المسلمين».

ساركوزي: كل ما يمكن أن يبدو كأنه تحدٍّ للإرث المسيحي سيؤدي الى فشل

نسبة كبيرة جداً من الفرنسيين تعارض بناء المساجد، لا «إعلاء المآذن» فقط
رئيس بلدية مدينة صغيرة لم يتردد في التصريح للقناة الثانية خلال النشرة الإخبارية بأنه «حان وقت الرد قبل أن يأكلونا». ورداً على سؤال عمّن يمكن أن يلتهمه، أجاب: «باتوا ١٠ ملايين، نحن ندفع لهم وهم لا يعملون»، في إشارة إلى مقولة يرددها اليمين المتطرف من أن المهاجرين يأتون إلى فرنسا للاستفادة من الضمانات الاجتماعية وتعويضات البطالة.
وبالطبع يتوسع اللاوعي ليشمل المسلمين الفرنسيين بهذه التهم الباطلة، إذ إن نسبة عظمى من المهاجرين هم من المسلمين. وزير العلاقات مع البرلمان هنري دو رينكور لا يتردد في القول «إن على الذين يأتون إلينا أن يقبلوا أسلوب حياتنا، فالعولمة لا تعني تغيير طبيعة البلد»، متناسياً أن نصف مسلمي فرنسا مؤلفون من مواطنين فرنسيين أصليين.
ولكن ما قاله ليس بعيداً عما قاله ساركوزي، في افتتاحيته في «اللوموند» أمس. فبعدما دافع عن «الديموقراطية السويسرية»، كتب يحذر من أي «مبالغة أو استفزاز» في ممارسة الشعائر في فرنسا «الدولة العلمانية». وتوجه نحو مسلمي فرنسا قائلاً: «أريد ان أقول لهم أيضاً إنه في بلدنا، حيث تركت الحضارة المسيحية أثراً عميقاً إلى هذا الحد، وحيث قيم الجمهورية تمثّل جزءاً لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، كل ما يمكن أن يبدو كأنه تحدٍّ لهذا الإرث ولهذه القيم سيؤدي إلى فشل»، في إشارة إلى مساعي إرساء أحد أشكال الإسلام المعتدل في فرنسا.

رفع المحظور

أوروبا تخاف النظر في مرآة الحقيقة



صدمت نتائج الاستفتاء السويسري معظم الدول الأوروبية التي استفاقت وهي تنظر إلى نفسها في مرآة الحقيقة التي تقول لها إن نسبة كبيرة من سكان القارة العجوز يرون في الإسلام خطراً على حضارتهم، رغم أن نسباً متزايدة من مواطنيهم هم من المسلمين. وقد ولج عدد من الوسائل الإعلامية الأوروبية في الدول المحيطة بسويسرا في شق الاستفادة من هذه الموجة.
فرنسا كانت السباقة، فقد رفعت نتائج الاستفتاء كل الأسئلة التي كانت محظورة سابقاً، وتشجعت بدورها استطلاعات الرأي في «زيادة حدة أسئلتها» للمستفتين والغوص في ما كان «يجول في الخاطر»؛ صحيفة «لو فيغارو» أجرت استفتاءً وصفته هي نفسها بأنه «غير علمي»، إذ طرحت سؤالاً على موقعها عن «السماح أو عدم السماح ببناء مآذن للمساجد». ٤٩ ألف متصفح أجابوا عن سؤالها، بينهم ٧٣ في المئة عارضوا بناء المآذن. وهذا الرقم تجاوز ٨٠ في المئة في موقع مجلة «الإكسبرس» الأسبوعية، أي بزيادة «ملموسة» عن نتائج الاستفتاء الرسمي في سويسرا التي جاءت بـ57.6 في المئة، مع اعتراف كل المواقع بإمكان أن «يصوت» أي متصفح أكثر من مرة، ما يمكن أن «يحوّر» النتائج في مسألة «مشحونة عاطفياً». وكذلك انسحب الأمر على عدد من المواقع الأوروبية الأخرى.
فهل يمكن عدّ هذا تحولاً في طريقة تعامل أوروبا مع «قسم كبير من مواطنيها»، أم تكون موجة رفعتها الأحداث العالمية وكثرة الحديث عن «الخطر الإسلامي» سرعان ما تموت على رمال وقائع الحياة اليومية؟
يدرك الجميع أن تحولاً كبيراً طرأ منذ هجوم ١١ أيلول على نيويورك أججته «الحرب على الإرهاب» التي أطلقها جورج بوش، والتي ربطها اللاوعي الغربي بالإسلام، وخصوصاً حين «أخطأ» بوش وتكلم عن حملة صليبية لمحاربة أعداء الغرب. تضاف إلى ذلك «الهجمات النوعية للقاعدة إعلامياً» التي ربطت الإسلام بالإرهاب وقاربت وهددت الغرب في عقر داره عبر عمليات إرهابية بارزة إعلامياً. وأسهمت «التقارير الصحافية» التي لهثت وراء «تشويق» في تعاملها مع الأحداث بما يذكّر كثيراً بكتابات المفكر إدوار سعيد عن «النمط الغربي في النظر إلى الشرق» في كتابه الشهير «الاستشراق»، حيث حل اليوم الإسلام محل «الشرق». مسح هذا التحول كل محاولات التقارب بين الغرب والشرق التي انطلقت في مطلع القرن بعد «صدمة احتلال العراق»، والتي رأى فيها البعض «عودة إلى الاستعمار» تحت شعار نيو ـــــ كولونيالية. وفي سياقها انطلقت حملة «ذوي النيات الطيبة» لردم الهوة بين الشرق والغرب، إلا أن «الأحداث اليومية في الشرق الأوسط»، وخصوصاً النزاع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي والتصدي لإسرائيل من حركات تحمل الصبغة الدينية الإسلامية مثل حزب الله و«حماس»، أسهم نوعاً ما بجعل الإسلام في شكل ما مواجهاً للغرب، بعدما «ربط الغرب بين مصير إسرائيل ومصير الديموقراطية الغربية». وغابت الأنظمة المعتدلة عن «أي دور غير خطابي في ممانعة التوجه الإسرائيلي الرافض للسلم» في نظر شعوبها.
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل نجحت نوعاً ما بربط «الخطر الإسلامي بقضيتها» ورفعت من حدة التلويح بخطر التطرف الإسلامي، جاعلة من محاربته «هدفاً يربط الغرب بها». ساعدتها في ذلك الأهداف الآنية التي وضعتها الإدارة الأميركية السابقة إلى جانب خطاب «نضالي متطرف» جاء من بعض الأطراف العربية والإسلامية، التي رأت في دعم الغرب لإسرائيل «محاربة للإسلام وللأهداف القومية» التي تدافع عنها.
لا يمكن أي مواطن أوروبي أن يغوص في تفاصيل هذه التحليلات وبالطبع، فإن الصرخات الشعبية هي أقرب طريق للدفاع عما يراه هذا المواطن «حيوياً لبقائه ولديمومة نمط حياة يريد أن يحافظ عليه». فلم يتردد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في هذا الإطار، من دعوة المسلمين في فرنسا إلى أن يأخذوا بالاعتبار الإرث «المسيحي» لفرنسا، متحدثاً باسم شعبه. لكن رغم هذا، أفاد استطلاع أجراه معهد «ايفوب» تنشر نتائجه اليوم مجلة «باري ماتش» بأن شعبية ساركوزي (٣٩ في المئة) وصلت إلى أدنى مستوى منذ الانتخابات الرئاسية في عام ٢٠٠٧، فيما أعلن ٦١ في المئة معارضتهم لسياسته. فهل يسأل السياسيون في أوروبا عمّا تريده حقاً شعوبهم بعيداً عن «التهييج الإعلامي» والاستطلاعات التي تطرح أسئلة في غير سياقها؟

ما قل ودل


حاول عدد من الصحف الأوروبية استشفاف ما يمكن أن تكون عليه النتائج في حال إجراء الاستفتاء السويسري عن المآذن في دولها، فكان أن رفض 80 في المئة من متصفحي موقع صحيفة «إلموندو» الإسبانية بناء المآذن رغم أن «إسبانيا ــ الأندلس» تحوي أكبر عدد من الجوامع في أوروبا، ولها جالية مسلمة كبيرة، وتسيطر على منطقتين في البر المغربي (مليلة وسبتة). وفي الأسبوعية الألمانية «دي فيلت» صوت ٨٦ في المئة من المستطلعين ضد بناء المآذن. في بلجيكا كانت نتيجة استطلاع أجرته «لوسوار» عن ضرورة إجراء استفتاء ٦٣ في المئة مؤيدين، بينما جاءت نتائج «دير شبيغل» الألمانية ٧٦ في المئة، وكذلك الأسبوعية الهولندية «تروو» ٦٣ في المئة

حداثة لا «تخدش» نمط البناء الفرنسييوجد اليوم ٢٥ مسجداً في طور البناء، أو في انتظار انطلاق الأعمال بها، وهي موزعة من شمال إلى جنوب فرنسا وشرقها وغربها في مختلف المناطق التي يقيم فيها مسلمون فرنسيون أو من الجالية الإسلامية المهاجرة. نظرة إلى جامع مدينة بوردو تكفي لفهم وصفه بـ«المستقبلي»، فهو أشبه بباخرة تمخر عباب البحر، خطوطه مرسومة لتذكّر بدور بوردو في التجارة البحرية وانفتاحها على البحار والواسعة والعالم (http://www.islamisation.fr/album/mosquees_en_projet/grd7.html). أما إذا أنعمنا النظر في مشروع مسجد منطقة ستان في الضاحية الشمالية لباريس، وهي إحدى «الضواحي الساخنة جداً»، فإن مشروع المسجد أشبه بمركبة فضائية حديثة. ويشير حسب أحد المقربين من المشروع إلى أن «الإسلام لا يعني بناءً نمطياً للهندسة الشرقية» (http://www.islamisation.fr/album/mosquees_en_projet/mosqueestain1.html ).
أما مسجد مدينة مولوز في الشمال الشرقي على الحدود الألمانية، فهو آية في الحداثة، يتمازج مع الطبيعة الخضراء، ويضم حديقة كبرى تحيطه من كل جوانبه ولا أثر لمئذنة بالمعنى المفهوم شرقياً. وحتى القبة الخضراء صممت لتكون خلف بناء يحوي مكتبات إلى جانب صالات المطالعة وصالة الصلاة الكبرى. (http://www.islamisation.fr/album/mosquees_en_projet/clip_image002.html).
أما جارتها مدينة ستراسبورغ «العاصمة الأوروبية» فهي تنافسها «بحداثة مشروع مسجدها» (http://www.islamisation.fr/album/mosquees_en_projet/strasbourg.html
).
وفي ضاحية بوبيني الساخنة، خطط لبناء مسجد هو أقرب إلى مختبر فضائي في مزيج من الإسمنت والحجر الأزرق يرتفع في سماء الضاحية، متراجعاً في كل طابق على نحو متناسق جميل وتكلله قبة من الزجاج الرمادي، ولا أثر لمئذنة يمكن رؤيتها من الخارج (http://www.islamisation.fr/album/mosquees_en_projet/1947515536.html
).
معظم المساجد التي قدمت طلبات رخص بنائها لا تمثّل أي خدش لنمط البناء الفرنسي حسب ما قال مهندس معماري متخصص في البيئة المدينية والعمران لـ«الأخبار». إلا أنه يشدد على أن الفرنسيين كانوا دائماً على «خلاف مع كل مشروع بناء متميز»، مذكراً بـ«الانتفاضة الفرنسية التي رافقت بناء برج إيفل»، وكذلك بناء متحف جورج بومبيدو في عهد جيسكار ديستان، و«أهرامات متحف اللوفر» في عهد الرئيس فرانسوا ميتران، وبعد ذلك «الهرج والمرج الذي رافق بناء معهد العالم العربي» بسبب شكله الذي يشبه باخرة على ضفاف السين، والذي بات وجهة سياحية.