أكراد تركيا في الشوارع... و«العدالة والتنمية» أول الخاسرينأرنست خوري
نجح معارضو الحكومة التركية في إعادة الأمور في الملف الكردي إلى ما يقارب النقطة الصفر؛ فاليوم، بدل الحديث عن تفاصيل خطة «الانفتاح الديموقراطي»، التي كانت تهدف إلى حلّ المشكلة الكردية، يفضّل البحث عن صيغة لعدم سقوط قتلى في الشوارع. اليوم، يجدر الكلام عن إعادة الانتخابات لاختيار 21 نائباً بدل هؤلاء الذي قدّموا استقالاتهم إثر قرار حظر حزبهم «المجتمع الديموقراطي»، الذي منع 37 قيادياً، بينهم رئيس الحزب النائب أحمد تورك، والنائب عن محافظة ديار بكر أيصل توغلوك، عن العمل السياسي لخمس سنوات.
لم تمضِ دقائق على إعلان المحكمة الدستورية حكمها مساء الجمعة الماضي، حتى امتلأت الشوارع في المدن الكردية الرئيسية، وخصوصاً في ديار بكر وفان وهكاري ويوكسيكوفا وتوكات بمتظاهرين، ظل القسم الأكبر منهم يشتبكون مع رجال الشرطة حتى يوم أمس، تحت شعار «الدم بالدم، وسننتقم».
وجاءت الظروف التي سبقت قرار الحظر، مثالية لناحية تفجير الأوضاع. فقد سبق للمتظاهرين أن عادوا إلى الشوارع قبل 10 أيام، مع نشر رسالة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، التي روى فيها الأوضاع المأساوية التي يعيشها في سجنه الجديد الذي نُقل إليه منذ أقل من شهر في جزيرة إمرلي. رسالة كشف فيها «آبو» عن أنه في حالة شبه احتضار، وحمّل من خلالها الاتحاد الأوروبي مسؤولية وضعه المأساوي، لكون الاتحاد هو الذي طلب نقله إلى زنزانته الجديدة «المزرية».
تجاهلت الحكومة التركية معنى أن يقول أوجلان لشعبه إنه يموت، وردّت بطريقة مهينة عندما أعلنت وزارة العدل فيها أنّ الزنزانة الجديدة لحبيس إمرلي أكبر ببضعة سنتيمترات عن غرفته السابقة. نزل الأكراد إلى الشوارع ونعى حزبهم السابق، أي «المجتمع الديموقراطي»، مبادرة «الانفتاح الديموقراطي»، إلى أن صدر قرار القضاة الـ 11، الذين يؤلفون المحكمة الدستورية، في دعوى «ملك الحظر»، أي عبد الرحمن يلشينكايا، الذي سبق له أن قاضى الحزب الحاكم، وحاول حظره في العام الماضي وفشل.
وبدل أن تكون حكومة أردوغان أول من يشعر بخطر هذه الخطوة، ظهر التوجّس في بروكسل وواشنطن، اللتين أعربتا عن التخوّف إزاء أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، وإزاء الوضع الأمني والاستقرار في هذا البلد.
أما الحكومة، فاكتفت بإنزال رجال الشرطة بعتادهم لقمع التجمعات والتظاهرات. وفي الموقف السياسي، فقد سبق لمستشار الرئيس التركي أرشاد هرمزلي أن رفض، في حديث لـ «الأخبار»، اعتبار أن المحكمة الدستورية تمثّل أحد الحصون الباقية للعسكر والعلمانيين المتشددين، موضحاً أنها جهاز يطبق الدستور، وحر في أحكامه التي لا تتدخل فيها لا الرئاسة ولا الحكومة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ إنّ الرئيس عبد الله غول دافع بقوة عن قرار المحكمة. وقال، من جمهورية الجبل الأسود، التي زارها، إنّ «على الجميع احترام قرار المحكمة، فهذا الحزب (المجتمع الديموقراطي) يقول إن سبب وجوده هو منظمة إرهابية (العمال الكردستاني)، فماذا يمكن المحكمة أن تفعله سوى حظره؟».
من هنا، يرى كثر أنّ الحكومة تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية حظر حزب الأكراد، لكونها تعلم جيداً أن هذا القرار سيأتي بنتائج تقضي على جهودها الإصلاحية، وخصوصاً أن القرار القضائي صدر بالتزامن مع استمرار جلسات نقاشات البرلمان حول «الانفتاح الديموقراطي» تمهيداً للتصويت عليه. جلسات ستتوقف بطبيعة الحال، لكون البرلمان خسر 21 نائباً، في ظل جزم أحمد تورك بأنّ نوابه قدموا استقالاتهم و«لن يشاركوا في أي اجتماع أو مناسبات برلمانية».
وليس واضحاً بعد ما إذا كان أكراد تركيا ينوون استعادة المقاعد النيابية الـ 21 تحت اسم حزبهم، الذي سيولَد قريباً، «السلام والديموقراطية»، أو أنهم سيعقّدون المهمة أكثر لحزب أردوغان إذا قرروا مقاطعة الانتخابات، وفتحوا المجال أمام عودة لغة العنف، ليس فقط على جبهات الجبال، بل داخل المدن التركية أيضاً، بما أنّ الحكومة «ضربت ثقتنا بإمكان تحقيق السلام»، على حد تعبير تورك.
وإذا قرر الأكراد استرجاع مقاعدهم النيابية عبر صناديق الاقتراع، فكل المؤشرات تفيد أن مهمتهم لن تكون صعبة؛ فشعبية الحزب الحاكم، كما أحزاب المعارضة، ليست في أفضل أحوالها، بينما ثقة الأكراد لا تزال ممنوحة لممثليهم، وهو ما أكّدته الانتخابات المحلية الأخيرة.
وبدا أنّ المحكمة الدستورية حققت للمعارضة ما تعجز عن فعله أحزابها تحت قبّة البرلمان. فـ«العدالة والتنمية» يملك غالبية تُمكّنه من إمرار «الانفتاح الديموقراطي» بسهولة من دون الحاجة إلى نواب حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية التركية» المعارضَين. بناءً على ذلك، ضربت المحكمة 3 عصافير بحجر واحد: أبطلت مفعول «الانفتاح الديموقراطي»، وحلّت الحزب الكردي، وفتحت المجال أمام احتمال انتزاع بضعة نواب لمصلحة أحزاب غير كردية في قلب مناطق الأكراد.
ما حصل يوم الجمعة وما تلاه، وما سيحصل قريباً على الجبهة الكردية، ليس لمصلحة مشروع الحكومة. صمتها بات أكثر من مستغرَب، لا بل كأنه علامة رضى في ظل هربها من المواجهة الحاسمة مع خصومها. ما حصل يضرّ بشعبية «العدالة والتنمية»، ويقوّي من عود الأكراد وحزب عمالهم من جهة، وأعدائهم من ناحية أخرى، بشقّيهم القومي والعلماني الوسطي.
لا شكّ أن أردوغان ورجاله استفاقوا باكراً اليوم ليحاولوا احتواء الكارثة المالية في البورصات وفي سعر الليرة التركية. لعلهم يعلمون أن لا احتواء جدياً للأزمة المالية إلا بقرار وإرادة سياسيتين يثبّتان استقراراً داخلياً، بما أنه لا يكفي أن تكون تركيا قوة إقليمية عظمى.