كما كان متوقعاً، تقدم اليمين في الانتخابات التشيلية بسبب انقسام اليسار. تقدّمٌ جزئي يتطلّب دورة ثانية يبقى مرجّحاً فيها فوز الملياردير سيباستيان بينييرا
بول الأشقر
انتقل مرشح اليمين، الملياردير سيباستيان بينييرا، ومعه الرئيس الديموقراطي المسيحي السابق، مرشح ائتلاف «التوافق»، إدواردو فريه، إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المحدد موعدها بعد شهر. ونال بينييرا 44 في المئة من أصوات الناخبين، فيما نال فريه 30 في المئة تقريباً في الانتخابات الرئاسية التي جرت أول من أمس. أما المرشحان اليساريان الآخران، المستقل ماركوس هرنانديز أومينامي فتخطّى نسبة عشرين في المئة، فيما لم يحصل خورخي أراتي، الذي أيّده الشيوعيون، على أكثر من 6 في المئة.
وتعتبر هذه النتائج «طيبة» لبينييرا لأنه تقدّم على خصمه بـ14 نقطة مئوية. كذلك يمكن وصفها بالـ«مرّة» لفريه. ويجمع المراقبون على أن الدورة الثانية ستكون طاحنة، إلا أن فوز بينييرا يبقى مرجّحاً لأن فريه ـــــ وحتى مع مساعدة باشليه المتوقعة ـــــ لا يستطيع الاعتماد على الـ56 في المئة من التشيليين الذين لم يصوّتوا لبينييرا أول من أمس. وإذا كانت أصوات لاراتي شبه مضمونة، فأصوات هنريكيز أومينامي من الصعب جذبها، لأن ترشيح هذا الأخير أتى في الأساس اعتراضاً على فريه، كما دلّت الحملة الانتخابية.
حملة جراحها لن تندمل بسرعة بسبب الخسائر الانتخابية لدى الطرفين. ففريه بحاجة إلى ثلاثة أرباع أصوات هنريكيز أومينامي، وهو هدف تحقيقه شبه مستحيل، لأنه غير مؤهّل لمقارعة فكرية بين اليمين واليسار، وهو ما تقتضيه ظروف الدورة الثانية.
أما على الصعيد النيابي، فنجح اليمين، للمرة الأولى منذ عودة الديموقراطية، في التحوّل إلى الكتلة الأولى بنيله 58 مقعداً من أصل 120، متخطّياً بذلك كتلة «التوافق» (57 نائباً بمن فيهم ثلاثة شيوعيين). أما في مجلس الشيوخ، حيث جُدّد نصف المقاعد، فبقيت الأكثرية بيد «التوافق» لاحتفاظها بتسعة عشر مقعداً من أصل ثمانية وثلاثين، لتتقدم على كتلة اليمين التي نالت 16 مقعداً.
أما داخل كلّ من الائتلافين، فلم يتغيّر الكثير بعد صدور النتائج. في الائتلاف اليميني، بقي ميزان القوى على حاله بين حزب بينييرا وحليفه الموروث من «البينوشيتية». إلا أن المفارقة كانت في فشل زعيم الحزب «البينوشيتي» جواكيم لانفين، وفي سقوط حفيد بينوشيه الذي ترشّح مستقلاً بعدما اعتذر حزبا اليمين عن ضمّه إلى لوائحهما.

حقوق الإنسان والتخويف من عودة الديكتاتورية عنوان الانتخابات المقبلة

على الضفة الأخرى، أوقف الحزب الديموقراطي ـــــ المسيحي النزف الذي كان يعاني منه، وتراجع نفوذ الحزب الاشتراكي المنقسم على نفسه لمصلحة حزب يساري آخر هو حزب «من أجل الديموقراطية». كذلك نجح الحزب الشيوعي في العودة إلى البرلمان نتيجة التحالفات التي عقدها مع «التوافق» للالتفاف على نظام انتخابي لا يمثّل إلّا الكتل الكبيرة.
ومع نشوة الفوز الأولى، سيحاول الآن بينييرا الانفتاح لتوسيع دائرة تحالفاته وتوسيع هامش مناوراته إزاء حلفائه «البينوشيتيين». في المقابل، سيحاول فريه تركيز الحملة على مسألة حقوق الإنسان، مستغلّاً الحكم الذي أصدرته المحكمة في تشيلي قبل عشرة أيام، معتبرةً أن والده رئيس التشيلي السابق قد مات قتلاً عام 1982، بعدما سمّمته ديكتاتورية بينوشيه في المستشفى بعد إجرائه عملية جراحية. كذلك سيعيّر فريه بينييرا بأنه من مؤيّدي العفو عن المجرمين. إلا أن المشهد السياسي التشيلي لا يتحمّل كل هذه الدرامية، فليست «البينوشيتية» العائدة على الأرجح إلى السلطة بعد شهر، و«ليس آخر العالم إذا وصل بينييرا»، كما قال الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية، خوسي ميغيل إنسولزا، الذي فكّر في الترشّح عن الحزب الاشتراكي قبل أن يتراجع. إنه شيء آخر يمتّ بصلة إلى البرلوسكونية أو إلى الحريرية على النمط التشيلي، وإنها الشيخوخة التي صار يعاني منها «التوافق» بعد عشرين سنة من الخدمات المشكورة لمصلحة الديموقراطية والحماية الاجتماعية في التشيلي.