غضب مناهضي العولمة يلاحق ممثّلي الحكومات في كل ممرّكوبنهاغن ــ بسام القنطار
رغم أن سيارات الشرطة الدنماركية، التي تدفقت بالمئات الى حي كرستيانا في كوبنهاغن، تعمل على الوقود الحيوي النظيف، فإن عناصرها أُجبروا على تفريغ ما في جعبتهم من قنابل الغاز المسيل للدموع، في محاولة لقمع التحرك الذي قام به عشرات الناشطين، بمساندة من أبناء الحي من «الهيبيز» والفوضويين وتجار المخدرات، الذين لم يرُقْهم دخول قوات إلى مدينتهم «الحرة»، كما تقول لافتة زُرعت على مدخلها.
يقع حي كرستيانا في منطقة تحيطها المياه من كل جانب. والذاهب الى الجزيرة يعرف أن كل شيء مباح في هذا المكان. مخدرات تُباع علناً في الشارع، مومسات يعرضن خدماتهن مجاناً نكاية بقرار وزارة الداخلية التي طلبت منهن عدم الاقتراب من المشاركين في المؤتمر. أما «الهيبيز»، فإن وجدت أحدهم صاحياً، سرعان ما يحاول إفهامك بأنك في منطقته، التي كانت ثكنة عسكرية، قبل أن يشغلوها منذ 1971 لتصبح بعدها أكبر مركز للمهمّشين الأوروبيين. حصيلة المعركة مع الشرطة كانت: اعتقال 210 أشخاص بعد رميهم الزجاجات الحارقة في محاولة لمنع الشرطة من إزالة حواجز النار التي أضرموها.
نار «الهيبيز» في كرستيانا تشي بالغضب العارم الذي يلفّ ممثلي المجتمع المدني ومناهضي العولمة والحركات اليسارية الذين زحفوا بالآلاف الى كوبنهاغن، وانتظموا في مجموعات تعبر عن نفسها بطرق إبداعية ومحترفة.
تبدو آنجيلا واكر (٢٣ عاماً) شاحبة اللون، تجلس وحيدة رافعة لافتة كُتب عليها «مضربة عن الطعام منذ ٤٩ يوماً». هي ليست وحدها في هذا التعبير السلمي الذي بدأ منذ انتهاء محادثات برشلونة قبل شهر، وصولاً الى قمة كوبنهاغن.
في الممرات الخارجية لمركز «بيلا سنتر» زحمة سير خانقة. الآلاف يمرون ذهاباً وإياباً، وبينهم يتغلغل ناشطون يبحثون سريعاً عن لون البطاقة، فإذا كانت زهرية، يعني أن حاملها عضو في وفد رسمي، وهنا يبدأ الضغط.
ناشطون بيئيّون مضربون عن الطعام منذ ٤٩ يوماً
ناشطة بيئية حامل في شهرها التاسع تتقن ٥ لغات، لا تتوقف عن البحث عن أشخاص مهتمين بإجراء حوار سريع: «أتوقع منك أن تسهم في توقيع اتفاقية جديدة تحمي ولدي الذي سيبصر النور بعد شهر». يكمل الممثل الرسمي طريقه من دون أن يعيرها اهتماماً، تلحق به السيدة من جديد وتسأل: «هل لديك أطفال؟ أي مستقبل ستورثهم؟ لا تفعل شيئاً ستندم عليه في المستقبل».
في مكان آخر، يقف شاب من رابطة الناشطين المستقلين «إندي آكت»، دوره ملاحقة ممثلي الدول النفطية، لا لإزعاجهم بل لتأييد موقفهم ساخراً. «يجب أن يصل تركيز الكربون الى ٨٥٠ جزءاً في المليون»، هذا ما يروّج له عبر ربطة عنقه. وما إن يلاحظ اقتراب ممثل عن إحدى الدول ـــــ الجزر الصغيرة، حتى يسارع الى الابتعاد عنه، ساخراً من مصير بلده المحتوم جراء تغير المناخ.
أما خارج المؤتمر، فتنتظر طوابير طويلة، بدءاً من السابعة صباحاً، إجراءات التسجيل اليومي المنهك للمنظمات غير الحكومية والتفتيش الدقيق الذي ارتفعت وتيرته مع وصول الرؤساء والوزراء. وبين هؤلاء توزع أيضاً نشطاء في قمة الشعوب البديلة التي تنظمها جمعيات بيئية وحركات اجتماعية في مركز «كليما». يصرخ أحدهم: الأمم المتحدة شريكة في تدهور المناخ. لا تقفوا هنا في الطوابير، اذهبوا الى المنتدى البديل وقولوا رأيكم بوضوح وصراحة، إنه منتدى الشعوب لا منتدى الفاسدين والملوثين.
هناك حاضرت أمس جمعية أصدقاء الأرض عن الحلول الخاطئة التي يروّج لها البنك الدولي للحد من تغير المناخ وعن تبعية الدول النفطية للشركات الاحتكارية الكبرى، وأن تغير المناخ هو، الى جانب كونه قضية بيئية، فإنه أيضاً قضية سياسية أساسها غياب العدالة الاجتماعية وطغيان نظام الاستقطاب الرأسمالي والنيوليبرالي.
وليس بعيداً عن قمة الشعوب، يتمركز ما يزيد على ٣٠٠٠ مدون في قاعة «الهواء النقي» في وسط كوبنهاغن، ويتلقى هؤلاء إشارات من داخل المؤتمر حول أبرز الأمور التي ينبغي التركيز عليها خلال اليوم، فيشنون حملات متواصلة على مواقف دول معينة أو تصريح مسؤول ما. ولا تقتصر عملية التدوين على الكتابة، بل تتعداها الى مختلف الوسائط الإعلامية، ولا سيما الفيديو والغرافيك، حيث تُبثّ يومياً مقاطع متنوعة وأفلام كرتون.
وفي المساء، يحتشدون في مبنى «فارتوف»، الذي استأجره التحرك العالمي لتغير المناخ «كان»، في اجتماعات مغلقة، تماماً كالاجتماعات الرسمية للحكومات، ويجري نقاش المواضيع التي يجب أن يتم التركيز عليها في اليوم التالي.
ويتوقع أن تشهد كوبنهاغن اليوم أوسع تظاهرة تشهدها المدينة في تاريخها، حيث ستنظم تجمعات ضخمة داخل «بيلا سنتر» وخارجها. ولقد دعا العديد من المواقع الإلكترونية المناهضة للعولمة الى اقتحام مقرّ المؤتمر وطرد الوزراء منه. كما يتوقع أن يكون اليوم الأخير للوجود الفعلي للجمعيات داخل أروقة المؤتمر، حيث سيتقلص عددها منذ يوم غد إلى 100 مشارك، ما يعني أن الأربعاء هو اليوم الختامي للجمعيات حيث يجري التحضير لتحركات استثنائية.