يبدو أن عقدة اقتراح تخصيب اليورانيوم، قد تتحوّل إلى أزمة حقيقيّة بين طهران والغرب، ما لم يجرِ التوصّل إلى حل. فقد تصاعد بقوة الحديث عن عقوبات مشدّدة في أروقة الدبلوماسية الغربية. ولم يعد هناك سوى هذا الخيار بعدما أُسقِط خيار الحرب. لكن السؤال الجوهري إلى أيّ مدى قد تنجح هذه العقوبات في ظل سياسات تغليب المصالح وعمليات الالتفاف؟
معمر عطوي
في بداية تشرين الأول الماضي، تنفّس العالم الصعداء لدى موافقة طهران على مقترح قدّمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقضي بأن تسلّم طهران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، على أن تزيدها موسكو إلى 19.75 في المئة قبل أن تحيلها على فرنسا لتحويلها إلى قضبان وقود نووي قادرة على إنتاج نظائر مشعّة لتُستخدم في مفاعل طهران للأبحاث الطبية.
هذه الموافقة كانت مبدئية، أرادت منها طهران على ما يبدو اكتساب بعض الوقت، لتجتهد في تفاصيل الاتفاق بما يتناسب مع مصلحتها. والسبب أنها لا تريد تسليم كمية كبيرة من اليورانيوم (نحو 75 في المئة مما لديها) فتصبح أمام الغرب من دون ورقة ضغط في هذا المجال.
وبعد صدور ثلاثة قرارات عن الأمم المتحدة ضد إيران، باتت الدول الغربية تطرح سؤالاً ممزوجاً بالحيرة عن جدوى هذه العقوبات، التي استطاعت طهران الالتفاف عليها، والسير قدماً في برامجها العسكرية والتكنولوجية وصولاً إلى تحقيق إنجازات.
فالدول الست المعنية بوضع مسوّدة قرار عقوبات مشدّدة على إيران عاجزة عن التوصل إلى اتفاق على طبيعة هذه العقوبات حتى الآن. وبهذا الصدد، تشهد المشاورات، التي تضم كلاً من روسيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، تباينات كبيرة بين دول مصرّة على إقرار أشدّ العقوبات، وأخرى مترددة. إلّا أن موقف روسيا، لا يزال ملتبساً أو أقرب إلى معارضة القرار، على غرار الصين.
ومن الواضح، أن هذا الالتباس ظهر بعدما توصّلت موسكو وواشنطن إلى تفاهمات بخصوص عدد من الملفات الخلافية بينهما، مثل العمل على تجديد معاهدة «ستارت ـــــ 1» وإلغاء فكرة إقامة درع صاروخية في أوروبا، ونزع فتائل التفجير في القوقاز. لذلك تبدو موسكو حائرة بين ما يمكن أن تقدّمه إليها واشنطن، وإغراءات إسرائيل وبعض الدول الخليجية (من خلال شراء أسلحة روسية بمليارات الدولارات) من جهة، وبين جارتها، التي تقيم معها علاقات تجارية وعسكرية واسعة، من جهة أخرى. فحجم التبادل التجاري بين طهران وموسكو وصل هذا العام إلى 3 مليارات و500 مليون دولار. وتعمل الآن نحو 300 مؤسسة، وأكثر من ألفي خبير من روسيا، في منطقة بوشهر الإيرانية الجنوبية. أمّا الأسلحة الروسية للجمهورية الإسلامية، فقد تجاوزت مبيعاتها الـ 6 مليارات دولار. ومع ذلك، لا يمكن وصف العلاقة بين موسكو وطهران سوى بـ«زواج مصلحة»، إذ إن روسيا، الحريصة على بقاء هذه العلاقة المُربحة اقتصادياً، لم تألُ جهداً في تحويل الملف النووي الإيراني إلى ورقة من شأنها تحسين شروط الكرملين في منافسته مع الغرب.
لعلّ الصين حتى الآن، هي قطب الرحى في معادلة تغليب الدبلوماسية والحوار على العقوبات. وعلى ما يبدو، فإن بكين تصرّفت انطلاقاً من عاملين أساسيين، الأول، يرتبط بسياستها في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والثاني يرجع إلى الفائدة التي حصلت عليها من إيران نتيجة العقوبات، إذ أصبح التنين الآسيوي، ومن خلفه مجموعة من الدول، محطة هامة للالتفاف على العقوبات. وحسبما تقول صحيفة «فايننشال تايمز»، فإن الصين تسدّ ثلث حاجات إيران من الوقود المكرّر.
وعلى الصعيد التجاري، بلغت عقود استثمارات شركات صينية تعمل لتطوير واستثمار حقل غاز في جنوب إيران، نحو 6‚3 مليارات دولار. وتحصل الصين على 12 في المئة تقريباً، من إجمالي وارداتها النفطية من إيران. ويُتوقع أن تستورد 10 ملايين برميل يومياً من النفط، و30 في المئة من الغاز الإيراني، بحلول عام 2030، لتصبح إيران ثاني أكبر مزوّد للصين بالنفط.
ومن المعروف أن للصين حدائق خلفية تتمتع بحريّة اقتصادية لافتة، وقدرات إنتاجية فائقة، فقد تجاوز حجم التبادل الاقتصادي بين إيران وشنغهاي ومحافظات آنخويي وجه جيانغ وجيانغسو في شرق الصين، ثلاثة مليارات ومئتي مليون دولار، العام الماضي.
على الضفة الأوروبية، ربما فتحت السياسة الأخيرة لطهران بتحويل عائدات النفط من الدولار الأميركي إلى اليورو الأوروبي والين الياباني، شهيّة المؤسسات المالية الأوروبية على استغلال هذا الوضع لمصلحتها اقتصادياً. فالشركات الفرنسية، التي بلغت استثماراتها في إيران مئات ملايين اليوروات، بدأت تشعر بخطورة الموقف.
وهناك العديد من دول الاتحاد الأوروبي، لا ترغب في حرمان شركاتها ومصانعها الاستفادة من الطلب الإيراني. فبيانات المفوضية الأوروبية للعام الماضي، تشير إلى أن الاتحاد أصبح أكبر شريك تجاري لإيران، ولا سيّما أن الشعب الإيراني (70 مليوناً) يُحفّز الشركات والمؤسسات الكبرى في أوروبا على مواصلة التصدير إلى هذا البلد.
لعلّ ما ذكرته الصحيفة الاقتصادية الألمانية «هاندلسبلات»، الثلاثاء الماضي، دليل إضافي على مدى حاجة أوروبا إلى إيران. فقد ذكرت الصحيفة أن المصارف والشركات الألمانية تشعر بالقلق من مقترحات مجموعة العمل المالي (تضم 33 دولة)، التي تهدف إلى إجبارها على تعزيز مراقبتها للصادرات إلى إيران. ونقلت عن عضو مجلس إدارة الاتحاد الألماني للمصارف الخاصة، بيرند برابيندر، قوله «إذا كان الثمن كبيراً جداً فإننا نجازف بانسحاب المصارف من التجارة مع بعض الدول، أو بشأن بعض المنتجات». أما مسؤول التجارة الخارجية في اتحاد الصناعة الألمانية، اوليفييه فيك، فقال «هناك أصلاً نظام فاعل لمراقبة الصادرات في ألمانيا وسيجري الالتفاف عليه».
ويمكن القول إنّ ما يؤلم أوروبا أكثر هو الغاز الإيراني، الذي لا تزال طهران ترفض تصديره إلى القارة القديمة من خلال «خط نابوكو». لعلها تنتظر ثمناً أوروبياً لقاء اشتراكها في هذا المشروع. ثمن لن ترضى طهران أن يكون أقل من إلغاء أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها.
فالحاجة الأوروبية إلى الغاز الإيراني، ملحّة أيضاً في ظل احتكار روسيا لهذه الطاقة الثمينة، واستخدامها ورقة ضغط، في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. ومن المعروف في هذا الصدد، أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز بعد روسيا، إذ تبلغ نسبة ما لديها 16 في المئة من إجمالي احتياطيات العالم.
هذه العقوبات، تفوّت أيضاً على الشركات الأميركية، فرصاً كبيرة في الاستثمارات النفطية في الجمهورية الإسلامية. وقد يكون من الصعب على الدول المجاورة لإيران، مثل تركيا والعراق وباكستان وأفغانستان، أن تنخرط كلياً في نظام العقوبات. ويمكن الإشارة إلى نموذج إمارة دبي، التي تُعدّ الشريك التجاري الأول للجمهورية الإسلامية، حيث تستضيف نحو 350 ألف إيراني، يعمل معظمهم في التجارة. وربما كانت مساعدة أبو ظبي للإمارة الصغيرة من أجل تجاوز أزمتها المالية، قد ارتبطت بشروط، أحدها تخفيف التعامل مع إيران، ولا سيما أن الإمارات لا تنظر بعين الود إلى جارتها الفارسية بسبب أزمة الجزر الثلاث بينهما (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى).

شبكات السوق السوداء نشطت حول العالم من أجل تفادي آثار العقوبات على إيران

الصين هي قطب الرحى في معادلة تغليب الدبلوماسية والحوار على العقوبات
في مواجهة العقوبات، أرادت إيران عدم وضع البيض في سلة واحدة، فعملت على نقل تجارتها من الغرب إلى الشرق بانتظام. لكن البدائل الإيرانية لهذه «الفجوة» الاقتصادية قد تكون في العالم العربي ـــــ الإسلامي وآسيا، حيث من المُرجَّح أن تحلّ المصارف الصغيرة ومؤسسات التمويل الإسلامية محل المصارف الأوروبية.
ولن يكون لقرار حظر إمدادات البنزين المُكرّر إلى إيران، تأثير في النظام بقدر ما سيصيب الشعب الإيراني والفئات الفقيرة منه. وإذا صدقت تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإن الحكومة تعمل بسرعة على تنفيذ مصاف ـــــ قد تكون في دول أفريقية أو آسيوية ـــــ لتقوم بالتكرير. وهذا من شأنه توفير حاجات إيران من هذه المادة، وخصوصاً أن طهران تستورد الآن 40 في المئة من احتياجاتها من البنزين المكرّر. وتحدث وزير النفط مسعود مير كاظمي عن أن «احتمال إنتاج 100 في المئة من احتياجات البلاد من البنزين قائم في الوقت الراهن».
صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بيّنت جدوى العقوبات، حين ذكرت أن شبكات السوق السوداء نشطت حول العالم من أجل تفادي آثار العقوبات على إيران. ولفتت إلى اعتراف إحدى الشركات الهولندية بتزويد طهران طائرات أميركية وأجزاءها الإلكترونية منذ عام 2005 حتى عام 2007. من هنا، لا يمكن العقوبات أن تؤتي ثمارها في ظل سياسات تغليب المصالح لدى الدول التي تتحكم في معظمها شركات كبرى، من دون أن نغفل طبعاً، أن إيران دولة أيديولوجية، تجعل من مراكمة إيران لعناصر القوة، فرضاً دينياً لا مهرب منه.


إجراءات الأمم المتحدة

فرض مجلس الأمن الدولي ثلاث مجموعات من العقوبات على إيران. تناولت المجموعة الأولى (عام 2006) الموادّ النووية الحساسة. وجمّدت أصول الإيرانيين ذوي الصلة بالبرنامج النووي من أفراد وشركات.
أمّا المجموعة الثانية (2007)، فشملت عقوبات جديدة تتعلق بالأسلحة والتعاملات المالية. ووسّعت تجميد الأصول ليشمل 28 مجموعة وشركة وفرداً آخرين يدعمون الأنشطة النووية الحساسة أو تطوير الصواريخ.
المجموعة الثالثة من العقوبات (2008)، شدّدت قيود السفر والقيود المالية على الأفراد والشركات وجعلت بعضها ملزماً. ووسعت حظراً جزئياً للتجارة في السلع ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية، ليشمل بيع أي تقنيات متعلقة بها لإيران. وأضافت 13 فرداً و12 شركة إلى قائمة الأفراد والشركات المُشتبه بتورطهم في البرنامج النوويّ.