بول الأشقرخاص بالموقع - بدأت الحملة الانتخابية للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في تشيلي، بين الملياردير سيباستيان بينييرا الذي يؤيده ائتلاف «التغيير» اليميني، والرئيس السابق إدواردو فريه الذي يمثّل ائتلاف «التوافق» الوسطي ـــــ اليساري.
وتبدو مهمة فريه الذي لم ينل إلا 30 من الأصوات في الدورة الأولى أصعب بكثير من مهمة بينييرا الذي نال 44 في المئة. إذ يجب على فري أن ينجح في استقطاب مليون وأربعمئة ألف صوت من المليون وثمانمئة ألف التي ذهبت للمرشحَين اليساريين اللذين لم يدركا الدورة الثانية. وبغية تحقيق هذه «المهمة المستحيلة»، سيكون التركيز في حملة فريه على موضوع حقوق الإنسان وعلى «خطر خلط الحكم بالمال» وعلى «أن التشيلي بحاجة إلى رئيس لا إلى رجل أعمال».
وللإشراف على الحملة، أرسلت الرئيسة ميشيل باشليه، أقرب وزيرة إليها كارولينا طوهه، التي تُعَدّ أقوى شخصية حكومية إضافة إلى عدد من الوزراء ليضموا كفاءاتهم إلى حملة فريه.
إلا أن المشكلة في فريق فريه الوسطي ـــــ اليساري تمكن في انقسام أعضائه حول الوسيلة الأفضل لجذب الأصوات.
فالبعض يريد تعويض التأخير بالانفتاح على أطراف اليمين، فيما البعض الآخر يريد التسييس لاسترجاع الأصوات اليسارية. وإذا كانت أصوات المرشح الخاسر الذي دعمه الشيوعيون، خورخي أراتي، والذي نال 6 في المئة في الدورة الأولى شبه مضمونة في فترة تقارب الشيوعيين من «التوافق»، فإن المعضلة الحقيقية تبقى في إقناع ناخبي ماركو هنريكيز أومينامي، المرشح الاشتراكي المستقل، الذي نال 22 في المئة من الأصوات، بالعودة إلى حظيرة «التوافق». فأنصار هنريكيز كانوا قد تركوا حظيرة «التوافق» بكامل وعيهم وتصميمهم، مشيرين إلى أنها لم تعد صالحة لحمل طموحات الشباب في التغيير، وأنها صارت تكتفي بعد عشرين سنة بالتكتيكات الكفيلة في إبقائها في السلطة. وفي السياق، كان لافتاً الطلب الذي تقدم به أومينامي من رؤساء أحزاب «التوافق» الأربعة، لكي يستقيلوا ليفتح معهم حواراً حول «أكثرية شعبية جديدة». ومع تأكيد صعوبة تحقيق هذا المطلب، إلا أن المغزى الحقيقي يمكن في أن ترشيح أومينامي لم يكن تكملة أصوات للترشيح الموالي، بل إنه في العمق مشروع قيادة بديلة له، لتمثيل أكثرية أخرى.
وإذا كان من المرجّح أن يلتحق عشر هؤلاء الناخبين أو أكثر بقليل بالمرشح المنافس، وأن يذهب نصفهم بشروط أو بغير شروط نحو البيت ـــــ الأم، المتمثل في الحزب الشيوعي الذي استقال منه أومينامي منذ أشهر بعدما رفض الحزب تنظيم انتخاب أولي بينه وبين فريه، فإن المعضلة تكمن في الثلث الباقي وربما الأربعين بالمئة الذين سيفضلون الامتناع أو التصويت بالبطاقة البيضاء للتعبير عن رفضهم الاختيار بين «رجلين من الماضي».
وفي مقابل العقبات التي يواجهها فريه، لا يعاني بينييرا أياً من هذه التعقيدات. فنتائج الاقتراع التي ظهرت الأحد الماضي تدل بوضوح على أن الرياح مؤاتية له ويكفيه أن يستقبل الآتين إليه تباعاً وأن يترك مساحة بينه وبين حلفائه المتشددين يمينياً، ليرمز أكثر من خصمه إلى «التغيير».
بينييرا لا يتنافس مع الرئيسة باشليه التي تتمتع بشعبية عالية، بل مع «عهود التوافق قاطبة الذي نفد دورها».
ويخشى بينييرا ـــــ وهو أغنى رجل في التشيلي ـــــ تركّز الحملة على شركاته (وقد انسحب الأسبوع الماضي من مجلس إدارة عدد منها لا من كلها)، لأن التشيلي التي تُعَدّ الأكثر تقدماً اقتصادياً في أميركا الجنوبية، تبقى من المتأخرين في توزيع الثروة. لذلك يحاول بينييرا الالتفاف على هذا المأزق بالقول إنه سيحافظ على البرامج الاجتماعية التي وضعها أسلافه، مركزاً على قدرته في اجتذاب الرساميل.
كذلك لا يخشى بينييرا الكثير من تأثير موضوع حقوق الإنسان عليه، لأنه لم يتورط يوماً مع نظام بينوشيه. كذلك فإن بينييرا صوّت ضد بقاء بينوشيه في السلطة، وكل ما في الأمر أنه بعد خروج هذا الأخير، التحق بالطرف اليميني الذي يكاد يوصله اليوم إلى الرئاسة.
وعندما سئل أمس عن بينوشيه، اكتفى بالقول «إنه كان معارضاً... وإن بينوشيه صار رجلاً من الماضي... وهو يريد أن يبني تشيلي المستقبل، وهذا ما يريده أيضاً المواطنون». وبينييرا يدرك جيداً أنه عندما يسمي بينوشيه «ماضياً» (والكل يسلم أنه ماض إلا قلة من مناصريه يأمل أن يلجمهم بهذا التوصيف) يقرّب الديكتاتور من فريه، الذي لا ينظر إليه أحد على أنه مستقبل، ويقترب في الوقت نفسه من أومينامي، الذي يتفق معه بأن «التوافق من الماضي»، وهذا هو الأهم بالنسبة إلى ناخبيه.
ومهما تكن نتيجة الانتخابات، فقد انتهت معها «الفترة الانتقالية» لما بعد البينوشيتية. هذه التركيبة التي وضعها المتضررون من البينوشيتية للخروج منها بأقل أضرار ممكنة، وخصوصاً أن البينوشيتية كانت دائماً حركة لها جذور شعبية في المجتمع. وقد خدمت خلال أربعة ولايات: اثنتان للديموقراطيين المسيحيين واثنتان للاشتراكيين. كذلك فإنه لا يستطيع اليوم أن يفوز «التوافق» بدون إعادة تأسيس أكثريته. أما خسارته فتفتح الطريق تلقائياً لإعادة انتظام الحياة السياسية على غير الأسس التي سادت آخر عشرين سنة.