إضرابات وعواصف ثلجيّة و«هويّة وطنيّة»... وإخفاقات في السياسة الخارجيّةباريس ــ بسّام الطيارة
تعيش فرنسا فترة نهاية سنة ٢٠٠٩ في ظل جوّ مشحون بأزمات متعددة ومتنوّعة تجعل مقولة «عيد بأي حال عدت يا عيد» رمزاً للأسبوع «الرقم ١٣٧ لحكم نيكولا ساركوزي». أسبوع وصفته مجلة «ماريان» المعارضة بأنه «أسبوع كل الأخطار»، وهو ما بات يردّده عدد متزايد من الوسائل الإعلامية الفرنسية.
ويرى عدد من المحلّلين أن «الاندفاع الساركوزي بدأ يصل إلى أقصى مداه»، وأن مفعوله فقد سحريته، وخصوصاً في ظل تراكم «الإصلاحات» التي تمرّر بوتيرة متسارعة وبقسرية متزايدة، يوازيها فتح ملفات مثيرة مثل الهوية الوطنية وتحديد «من هو مواطن فرنسي؟»، التي وسّعت الانشقاقات في المجتمع الفرنسي، وحتى داخل حزب ساركوزي الحاكم.
قطار من الإعلانات الرئاسية في أسبوع واحد، ترافقت مع قطار من الإحباطات سبّبتها إمّا التصريحات غير المتوازنة لوزراء في محاولة للهروب إلى الأمام، أو نتائج جاءت مخالفة للتوقّعات. بدأ الاسبوع بتصريحات أدلت بها سكرتيرة الدولة لشؤون الأسرة، نادين مورانو، التي تعدّ من الوزراء المقرّبين من ساركوزي، طالبت فيها الشبان المسلمين الفرنسيين بأن «يشعروا بأنهم فرنسيون»، ما أثار جدلاً واسعاً وسط أجواء التوتر والاتهامات الموجّهة إلى الحكم بأنه يؤجّج «النزاع مع إسلام فرنسا». ولم تكتفِ مورانو بهذا القدر، بل أضافت موجّهة حديثها إلى شاب من الضاحية «أريد أن يحبّ فرنسا عندما يعيش فيها، وأن يجد عملاً وألّا يتحدث الفيرلان (لغة محكية ولدت في الضواحي وباتت ميزة من مميزات الفن الشعبي ومن أسس أغاني الراب)».
اتفق الجميع على أن أوباما فوّت في كوبنهاغن فرصة تبرير جائزة نوبل للسلام
كلام مورانو جاء في إجابة عن سؤال عن «ملاءمة الإسلام والجمهورية»، ووسط الاتهامات بأن الحكومة باتت تحمل «مفهوماً إثنياً للأمة الفرنسية». إلّا أنّ ما يتحمّله المواطن الفرنسي لا يقتصر على «مقارعة الحجج بشأن الهوية الوطنية»، التي تمثّل ساتراً لأوضاع مادية تلبس رداء المعاناة اليومية والأمثلة كثيرة؛ خط المترو الأكبر (Rer A)، الذي يصل شرق ضواحي باريس بغربها، مضرب منذ أكثر من أسبوع ولا حل في الأفق، ما مثّل ضربة لدينامية التسوّق ما قبل الأعياد.
حتى التسوق سوف يكون صعباً في فترة الأعياد، ليس فقط بسبب تراجع القدرة الشرائية للفرنسي، بل أيضاً بسبب إضراب «موزعي النقد» في آلات السحوبات النقدية.
وشاركت الطبيعة في جعل أسبوع ساركوزي صعباً، إذ ما إن حلت العاصفة الثلجية، حتى انسدّت الطرقات في أكثر من ٤٣ محافظة فرنسية، أُعلنت فيها حالة الخطر البرتقالية، وذلك عشية أيام عطلة طويلة واصطفاف طوابير السيارات الخارجة من المدن، فيما موجة الصقيع رافقتها تحذيرات من انقطاع الكهرباء في أكبر منطقتين في فرنسا (الغرب والجنوب).
كل هذا لم يمنع هذا الرئيس الفرنسي من إعلان المضيّ قدماً في «إطلاق قرض وطني» بقيمة ٣٥ مليار يورو، يعادل 1.8 في المئة من قيمة المدخول القومي للبلاد، وإن هو حاول تخفيف الصدمة على المعترضين. فإنّ العطالة عن العمل تبقى ومن بعيد «أكبر هاجس للفرنسيين»، إذ إن نسبتها ارتفعت (9.4 في المئة) لتجاور العشرة في المئة، وهو رقم سحري في اللّاشعور الفرنسي، إذ من المتوقّع أن تتجاوز في نهاية السنة الـ١٠،٢ في المئة، فيما تعلن وكالة العمل عن «خروج مليون عاطل» في نهاية العام المقبل من نظام التعويضات، بمعنى أنهم سوف يصبحون من دون أي مدخول.
ما إن حلت العاصفة الثلجية، حتى انسدت الطرق في أكثر من ٤٣ محافظة فرنسية
لا يعني هذا أن ساركوزي يلاقي النجاح في سياسته الخارجية، فعدد متزايد من المراقبين يضعون اللوم عليه بسبب فشل القادة الأوروبيين في «اختيار شخصية قوية» لرئاسة الاتحاد الأوروبي، فيما لا تزال معاملة إسرائيل للدبلوماسيين الفرنسيين مدار حديث متهكّم في الوسط الدبلوماسي في باريس، تحت عنوان أن فرنسا، وبحجة «مخافة فقدان دورها في عملية السلام»، تبتلع يومياً «أفاعي المعاملة الخشنة الإسرائيليّة»، بحسب دبلوماسي عربي، يكمل منتقداً «انبطاح سفير باريس في القدس» المحتلة بحجة أن ساركوزي «صديق إسرائيل». ويتساءل البعض «إذا كان ساركوزي صديق إسرائيل وهكذا هي المعاملة فكيف لو لم يكن صديقها؟»، وهم يشيرون إلى «رد فعل الحد الأدنى» لوزارة الخارجية بعد «آخر معاملة قاسية» قبل يومين، حين طوّقت قوات إسرائيلية «مبنى المركز الثقافي في القدس الشرقية» بحجة البحث عن «الفلسطينية رانيا الياس»، فيما كان المركز يشهد احتفالاً يشارك فيه أطفال ورسميّون فلسطينيون. واكتفى الناطق الرسمي برنار فاليرو بوصف نشر القوات بأنه «مبالغ فيه».
وانتظر الجميع الرئيس الفرنسي في مؤتمر المناخ في كوبنهاغن، وخصوصاً أن أوساطاً مقرّبة منه سربت أقواله حين كان يتفاوض مع الصينيين وتهديده لهم بـ«النزول وطرح القرارات على تصويت الجمعية العمومية». ورغم هذا، رفضت الصين، ليس فقط ما اقترحة من جهاز مراقبة، لا بل أي «تقويم لخفض مبرمج» لارتفاع حرارة الأرض، وهو ما كان قد وعد به قبل توجّهه إلى الدنمارك.
نقطة واحدة عوّضت ساركوزي مسلسل الإحباط هذا، وهي اتفاق الجميع على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما فوّت فرصة تبرير جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها «قبل أن يفعل شيئاً» ولم يفعل شيئاً في كوبنهاغن.