اتفاق الحدّ الأدنى ينتهي بلا ضمانات ولا التزاماتبسام القنطار
انتهت قمة كوبنهاغن للمناخ بخيبة أمل كبيرة، بعد أسبوعين من المفاوضات المحتدمة بين الوفود القادمة من 193 بلداً. خيبة لخّصها إعلان منظمي المؤتمر أنهم «أخذوا علماً» باتفاق كوبنهاغن، الذي جرى التوصّل إليه بين رؤساء 28 دولة يمثّلون كبرى الدول الصناعية، تتقدّمهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكبرى الدول الناشئة كالصين والهند، وجنوب أفريقيا والبرازيل.
«اتفاق» لم يكن حصيلة جهود المفاوضين، ولا يمتّ بصلة إلى نقاشاتهم. وهو أقل بكثير من «الاتفاق السياسي» الذي روّجت له الدولة المضيفة الدنمارك منذ البداية. وهو اتفاق يبتعد كثيراً عن كونه نقطة بداية لصياغة اتفاقية قانونية جديدة وملزمة بشأن المناخ تحل محل اتفاق كيوتو، الذي ينتهي مفعوله عام ٢٠١٢.
وينص الاتفاق على تعهّد بخفض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري إلى النصف من مستويات عام 1990 بحلول عام 2050، كما ينصّ على تحديد الزيادة في حرارة الأرض بدرجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، لكن هذا الهدف لم يُرفق بأيّ ضمان لتحقيقه. كذلك، فإن الاتفاق لا يذكر تقليص الانبعاثات الملوثة إلى النصف مع حلول 2050 ولا أي موعد لتوقّف ازديادها، فيما تضمّن الاتفاق مراجعة في عام 2016 تنظر في حدّ أكثر تشدّداً وهو 1.5 درجة مئوية. كما حُذف من الاتفاق موعد عام 2010 حدّاً نهائيّاً للتوصل إلى اتفاقية ملزمة جديدة، بعدما كان الموعد النهائي موجوداً في بعض المسودات السابقة.
وحدّد الاتفاق موعد 31 كانون الثاني مهلة للدول الصناعية لتعلن أهدافاً لتقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة مع حلول 2020، وللدول النامية لتعلن إجراءات تنوي اتخاذها لتقليص انبعاثاتها. ولم يشمل النص أيّ هدف بالأرقام.
كذلك شدّد على ضرورة أن تكون التزامات الدول الصناعية «قابلة للقياس، والملاحظة، والتدقيق». وأكد أنه يجب «على الدول النامية أن تعلن بنفسها كل عامين معلومات عن سياساتها المحلية تتضمّن عناصر تسمح بالمشاورات والتحليلات الدولية مع احترام سيادتها الوطنية»، وهو ما عُدّ تسوية تهدف إلى إرضاء الصين. كما جرى الاتفاق على أن ينحصر تطبيق قاعدة «القياس والملاحظة والتدقيق» في الإجراءات التي تلقى دعماً دولياً مالياً أو تقنياً.
ممثل أرخبيل توفالو: الاتفاق حفنة من الأموال من أجل خيانة شعبنا ومستقبلنا
وفي ما يتعلق بالتمويل، جرى تخصيص مساعدة فورية من 30 مليار دولار على ثلاث سنوات (2010 ـــــ 2012) لدعم تأقلم الدول النامية مع نتائج الاحتباس، على أن تعطى «الأولوية» للدول الأكثر فقراً، ولا سيما في أفريقيا والجزر الصغيرة.
وبموجب الاتفاق تتعهد الدول المتطورة، خلال الأعوام الممتدة من 2013 إلى 2020، تخصيص مبلغ 100 مليار دولار يبدأ صرفها كمساعدات سنوية للدول النامية اعتباراً من عام 2020، لكنه لم يحدد على وجه الدقّة من أين ستأتي هذه الأموال. وجرى التوصّل أيضاً إلى اتفاق يقضي بضرورة إنشاء «صندوق المناخ الأخضر» في كوبنهاغن لدعم مشاريع الدول النامية لخفض انبعاثاتها.
وأسهم الفشل في حصول الاتفاق على إجماع الدول المشاركة، في تعرّضه لانتقادات واسعة. وشبّه رئيس أرخبيل توفالو الصغير في جنوب المحيط الهادئ، ايان فري، الاتفاق بـ «حفنة من الأموال من أجل خيانة شعبنا ومستقبلنا».
وأجمعت كلّ من بوليفيا وفنزويلا وكوبا، على اتهام رئيس الوزراء الدنماركي، لارس لوكي راسموسن، الذي تولى رئاسة الجلسة العلنية الختامية للمؤتمر، «بإعاقة الديموقراطية والشفافية»، وبأنه نفّذ «انقلاباً على الأمم المتحدة».
كذلك تصاعدت حدة التوتر حين قارن ممثل السودان، لوممبا ستانيسلاس ضيا ـــــ بينغ، الاتفاق بالمحرقة، قائلاً إن هذا الإعلان «حلّ يقوم على قيم أرسلت 6 ملايين شخص إلى أفران (الغاز) في أوروبا».
في المقابل، دافع عدد من رؤساء الوفود عن النص. وعدّه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، «خطوة (أولى) أساسية». أما الرئيس الأميركي، باراك أوباما، فوصف الاتفاق بأنه «مهمّ»، و«غير مسبوق ويمثّل مرحلة أساسية».
من جهته، رأى الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أن «الاتفاق ليس كاملاً»، لكنه «أفضل الممكن»، معلناً تنظيم محادثات جديدة في مدينة بون الألمانية «خلال ستة أشهر» للإعداد لجولة المحادثات المقبلة المقررة في تشرين الثاني 2010 في المكسيك.
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فرأت أن «البديل الوحيد لهذه الاتفاقية كان الفشل».
بدوره، قال وزير الخارجية الصيني يانغ جيشي، إن القمة «تمخضت عن نتائج ذات معنى وإيجابية». ورأى أنه جرى التوصل إلى احترام مبدأ «المسؤولية المشتركة لكن المتنوعة»، التي تعترف بالفروق الاقتصادية بين الدول الناشئة والغنية.
في المقابل، رأى رئيس مجموعة الخبراء الحكومية بشأن تطور المناخ «جييك» الهندي راجندرا باشوري أن الاتفاق غير كافٍ، ودعا إلى التصديق سريعاً على معاهدة ملزمة.