عن عمر يناهز 87 عاماً، توفي المرجع الإيراني المعارض، آية الله حسين علي منتظري، الذي بلغت الاتهامات له إلى حدّ «الخيانة» مذ دعا إلى تقليص صلاحيات الولي الفقيه
معمر عطوي
منذ بدايات الثورة الإسلامية، كانت صور آية الله حسين علي منتظري تُعلّق إلى جانب صور مؤسس الجمهورية الإسلامية، الإمام روح الله الموسوي الخميني، على الجدران وفي المساجد والحسينيات، على أنه أحد أهم رجالات الثورة. لكن الرجل، الذي عُرف بأسلوبه النقدي للسياسات المتّبعة، وخصوصاً انتقاداته لولاية الفقيه، توفي أمس معارضاً للسلطة، التي أسهم في تأسيسها ودعمها.
في مدينة نجف آباد القريبة من أصفهان، وُلد منتظري في عام 1922، في بيت صغير، لوالدين يعملان بالزراعة. وكان في بداية حياته متابعاً لدروسه إلى جانب عمله في المزرعة. غير أنه ترك المدرسة، بعدما تعرّض للجلد على أيدي أحد المعلمين، فأرسله والده إلى أصفهان حيث حضر دروساً في الأدب.
بعد بلوغه سن الـ13 عاماً، غادر إلى مدينة قُم، حيث انضم إلى الحوزة الدينية. وهناك عاش في البداية ظروفاً مادية صعبة، إذ أمضى أكثر من عشرة أشهر، من دون أن يقبض منحته الشهرية من مراجع الحوزة. كان والده يعطيه مبلغاً يكفي فقط لشراء الغذاء. عن هذه الأيام يقول منتظري في مذكراته: «كنت أشتمّ رائحة الحلويات لأشهر من دون أن أكون قادراً على شراء قطعة منها».
واجه منتظري سلطة الشاه، مع غيره من علماء الدين، وتعرّض للاعتقال والملاحقات. كذلك ناصر القضية الفلسطينية في عام 1948، متطوعاً للجهاد ضد الغزاة الإسرائيليين.
ولأنه كان أحد أهم رجالات الثورة الإسلامية الفكريين والمجاهدين، أطلق عليه الإمام الخميني لقب «الفقيه الأعلى» بعد أشهر قليلة من انتصار الثورة في عام 1979. لقب بقي متداولاً إلى أن عُزل في عام 1988.
ويبدو أن الإمام الخميني تخلّى عنه خليفةً له، بسبب انتقاده لولاية الفقيه، التي طالب بقصرها على الأمور الدينية فقط لا السياسية، وأفكاره النقدية تجاه أساليب النظام. يومها وجّه منتظري رسالتين إلى قائد الثورة، من ضمن ثلاث رسائل تضمنت انتقادات لـ«أساليب النظام القمعية»، التي استخدمت مع المعارضين. رسائل أدت إلى عزله من منصب نائب القائد، وفرض الإقامة الجبرية المؤقتة عليه في منزله في مدينة قُم، على أن يتفرّغ للتعليم الديني، ويترك شؤون السياسة.
طالب بتقليص صلاحيات الولي الفقيه... ورفض مبايعة خامنئي
بعد وفاة الخميني في عام 1989، رفض منتظري مبايعة المرشد الأعلى الجديد، آية الله علي خامنئي. ثم قلّل، في مقالات كانت تنشرها صحف مقرّبة منه، من كفاءة المرشد وأهليته للحكم، ما عُدَّ خيانة أدت إلى فرض الإقامة الجبرية عليه في عام 1997. ومع أن الرئيس السابق محمد خاتمي كان من المقربين إليه وأحد تلامذته، بيد أنه لم يستطع خلال فترة رئاسته (1997ـــــ 2005) أن يرفع عنه الإقامة الجبرية، إلا عام 2003، لأسباب صحية. بل إن عدداً من المسؤولين تعرّضوا للمحاكمة والسجن بسبب دفاعهم عن منتظري وولائهم له. ولم تسلم عائلته ومعاونوه من ملاحقة السلطات.
لقد أصبح منتظري، الذي كان محكوماً بالإعدام في عهد الشاه سنة 1975، متهماًً بـ«الخيانة» في عهد الثورة. عُرف صاحب فكرة «أسبوع الوحدة الإسلامية»، الذي تحتفي به إيران كل عام، بانفتاحه على الجميع، وبمواقفه المستقلة، التي جذبت اليه الأتباع والمُريدين. وبلغت شعبيته ذروتها في الأشهر الأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مع اشتداد المواجهات بين المعارضة الإصلاحية والنظام. فقد وجد منتظري في هذه الحركة متنفساً له بعد سنوات طويلة من الجلوس في الظل. لذلك أصبح بمثابة المرشد الروحي لهذه المعارضة، من خلال دعمه لرئيس الحكومة السابق، مير حسين موسوي.
وانتقد منتظري في العديد من المناسبات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بسبب سياسته الداخلية والخارجية، وموقفه من الأزمة بين إيران والغرب بسبب البرنامج النووي. ووصف إعادة انتخابه في حزيران الماضي، بأنه «أمر لا يمكن أن يقبله أي عقل سليم».
وأثار منتظري جدلاً واسعاً في إيران، حين دعا إلى محادثات مباشرة بين طهران وواشنطن، لتجنّب حدوث نزاع بشأن عمليات تخصيب اليورانيوم، التي تقوم بها طهران. بل تمتع بحس نقدي ذاتي، دفعه إلى وصف حصار السفارة الأميركية في طهران في عام 1979 بأنه «خطأ»، رغم أنه اعترف بدعمه لتلك الخطوة في ذلك الوقت.
وعلى خلفية الاضطرابات الأخيرة، أفتى منتظري بوجوب التصدي لـ«الحكومة الظالمة»، مؤكداً أنه إذا فقد الحاكم وبقية المسؤولين العدالة والأمانة، وقمع الأكثرية من الشعب، فإن ذلك يعني عزل الحاكم أو المسؤول تلقائياً.