كبير قضاة باكستان يتحدّى رئيسها: فاسدشهيرة سلوم
كان ظنُّ الرئيس الباكستاني آصف زرداري في محله حين وقف في وجه إعادة رئيس المحكمة العليا افتكار محمد تشودري إلى منصبه في آذار الماضي. خاف من أن يُعيد نبش ملفاته التي تفوح منها رائحة الفساد وغسل الأموال والسرقة. لكنه أُجبر تحت ضغط الشارع والمعارضة على الرضوخ. صحيح أنه يتحصن دستورياً في موقعه الرئاسي، الذي حملته إليه موجة التعاطف مع زوجته الراحلة بنازير بوتو، من أي ملاحقة قضائية. لكن كل شيء متوقع مع قائد «ثورة المعاطف السوداء»، تشودري، الذي تحدّى الرئيس السابق برويز مشرف، وتشكك في شرعيته، وخلق أزمة سياسية وانتفاضة للمحامين دفعت بالجنرال إلى التنحّي.
لقد أصدرت المحكمة العليا الأسبوع الماضي حكماً ألغى قرار العفو الذي كان قد أصدره مشرف في إطار اتفاق المصالحة الوطنية الذي أجراه مع زعيمة حزب «الشعب»، برعاية أميركية في تشرين الأول 2007، وسُمح من خلاله لبوتو وزوجها بالعودة إلى البلاد، وشمل العفو أكثر من 800 مسؤول.
نطق تشودري بالحكم، وطلب من مكتب المحاسبة الوطني البدء بالإجراءات اللازمة لاستصدار مذكرات اعتقال، وتجميد أموال، وحظر سفر للمشتبه فيهم. وهكذا أُسقط العفو عن الرئيس وبات عرضة للملاحقة بسبب كومة تهم الفساد التي يُلاحق بها منذ التسعينيات.
أكثر من 90 قضية ضدّ زرداري وزوجته الراحلة تناولت سرقة مئات الملايين من الدولارات للدولة من خلال الحصول على عمولة نتيجة عقود وصفقات أجرتها حكومة بوتو. لهذا استحق زرداري لقب رجل «العشرة في المئة»، التي كان يتقاضاها من قيمة كل عقد يُبرَم مع مؤسسات الدولة. وقد أغضبه كثيراً هذا اللقب الذي تناقلته الهواتف الجوالة بعد انتخابه رئيساً في إطار فُكاهي.
من بين هذه القضايا، حصوله على عمولة قدرها 5 في المئة جرّاء عمليات شراء طائرات حربية من شركة صناعة الطيران الفرنسية «داسولت»، التي أعطتها حكومة بوتو الحق الحصري لتزويد باكستان بالطائرات. وشركة أخرى في دبي تملك الحق الحصري بتوريد الذهب إلى باكستان حولت مبلغ 10 ملايين دولار إلى حساب زرداري.
وفي عام 1998، سلّمت السلطات السويسرية وثيقة لإسلام آباد تتعلّق بعمليات فساد وتبييض أموال. ووجدت محكمة سويسرا في آب 2003 أن كلاًّ من بوتو وزوجها مذنبان بتهمة غسل الأموال، وحصولهما على رشوة قدرها 12 مليون دولار أو عمولة تقدر بستة في المئة جراء صفقة بين الحكومة الباكستانية وشركتين سويسريتين هما «سوسيتيه جنرال» للمراقبة و«كوتيكنا». وحكم عليهما القاضي بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 50 ألف دولار لكل منهما، وأمرهما بدفع مبلغ 2 مليون دولار للحكومة الباكستانية إضافة إلى إرجاع قلادة ماسية. وقال القاضي إن الزوجين وضعا ملايين الدولارات بطريقة غير شرعية في حسابات مصرفية في سويسرا.
وكانت الحكومة البولندية قد سلّمت باكستان أيضاً وثيقة من 500 صفحة تتعلّق بقضايا فساد. كذلك فعلت الحكومة الفرنسية في ما يتعلّق بشركة «داسولت». وسُجن زرداري ما بين 1997 و2004، لكنّه قال إن التهم سياسية وملفقة وادّعى أنّه تعرّض للتعذيب والحبس الانفرادي.
قرار المحكمة العليا رأى أنّ كل القضايا التي سُحبت بموجب اتفاق المصالحة قابلة لإعادة النظر، وأنّ كل القرارات والبراءات التي صدرت بموجب اتفاق المصالحة غير شرعية، وكأنها لم تكن.
كذلك عُدّ طلب الحكومة الباكستانية إلى سويسرا سحب القضايا ضدّ زرداري غير دستوري. وأمرت المحكمة العليا الحكومة بأن تتخذ إجراءات ضدّ المدعي العام السابق لأنه أصدر تلك الطلبات بناءً على أوامر حكومة زرداري.
إلا أن زرداري محصّن بموجب المادة 248 من الدستور التي تمنع ملاحقته أو اتهامه. وتنص على أنه «لا يجوز اتخاذ إجراءات جزائية بحقّ الرئيس أو الحاكم أمام أي محكمة خلال ولايتيهما الرئاسية» (الفقرة الثانية). كذلك لا يجوز «اتخاذ إجراءات لتوقيف أو سجن الرئيس أو الحاكم». ويرى رجال القانون في باكستان أن المادة 248 لا تطبّق خارج البلاد، وقضية غسل الأموال أمام المحاكم السويسرية يمكن إعادة نبشها من جديد.
وتجدر الإشارة إلى أن مكتب المحاسبة الوطنية أصدر في 21 تشرين الثاني لائحة تضم أسماء أكثر من 800 سياسي استفادوا من قانون المصالحة الوطنية. إضافة إلى زرداري، تضم اللائحة ثلاثة وزراء هم: وزير الداخلية رحمن مالك، ووزير الدفاع تشودري أحمد مختار، ووزير المرافئ والشحن بابار غوري، ومعهم حاكم مقاطعة السند إشتراتول إيباد، ووزيران من الحكومة المحلية للسند، شعيب بخاري وآغا دوراني. وتضمنت اللائحة سياسيين نافذين شأن الأمين العام لحزب «الشعب» تشودري شوكت علي، والنائب أفتاب شيرباو والسيناتور جيهانجير بادار، والسكرتير الرئاسي سلمان فاروقي، وسفير باكستان لدى واشنطن حسين حقاني، ورئيس المفوضية الباكستانية في بريطانيا شمسول حسن. وطولب كل هؤلاء بالاستقالة ومواجهة الاتهامات. وبقرار المحكمة العليا، يكون قد فُتح المجال لمثول من شملتهم اللائحة أمام المحاكم.
قد يكون زرداري المتهم «الملك» في القضية، إلا أن جوهرها ورمزيتها يكمنان في إجراءات تشودري نفسه؛ أن يتمكن من شنّ حرب على الفساد في بلد الـ170 مليوناً الذي لم يعرف سوى حكم عسكر ونخبة اجتماعية حامت حولها شبهات الفساد ونهب الثروات والإثراء غير المشروع، وامتطت حصان الديموقراطية كي تصعد إلى السلطة.


المعارضة تبتزّوأكد حزب المعارضة الرئيسي أنه لن يدعم أي إجراء غير دستوري ضد زرداري (الصورة) أو حكومته، لكنه حذر من الاحتجاجات ما لم يتخلّ الرئيس الباكستاني عن بعض سلطاته.
وقال المتحدث باسم حزب الرابطة، صديق الفاروق، إن الحزب يشعر بأن «الواجب الأخلاقي يفرض على زرداري والوزيرين أن يتنحوا، إلا أن تقرير ذلك متروك لهم». وأضاف أن «السيد نواز شريف ذكر بوضوح شديد أن الديموقراطية يجب أن تستمر، وإذا اعتقد شخص أنه سيفعل شيئاً غير دستوري، فلن يحظى بدعمنا». وأكد أن حزب شريف لن يكون جزءاً من أي تحرك غير دستوري ضد زرداري.