استفتاءات رمزيّة تمهّد لقرار المحكمة الدستورية الإسبانيّةحبيب الياس
أعاد الاستفتاء غير الرسمي، الذي أُجري في عدد من قرى إقليم كاتالونيا الأسبوع الماضي على استقلال الإقليم عن إسبانيا، فتح باب النقاش على موضوع توسيع الحكم الذاتي في الأقاليم الإسبانية.
ومع أن الاستفتاء غير الرسمي حصل على 94 في المئة من الأصوات المؤيدة لحكم ذاتي موسَّع، إلا أنه شمل 10 في المئة فقط من سبعة ملايين مواطن كاتالوني، وضم 166 قرية في المنطقة الشمالية الغنية من الإقليم المعروفة برغباتها الانفصالية. مع ذلك، لم يجذب سوى 30 في المئة من الناخبين في تلك المناطق.
لكن بغضّ النظر عن شرعيته وعن نسبة المشاركة فيه، إلا أنه يبقى لرمزيته أهمية كبيرة. بعض الانتقادات الموجَّهة إلى هذا النوع من الاستفتاءات غير الرسمية التي تجري بتمويل من شخصيات متمولة في الإقليم، رأت أنها تشجع باقي المناطق الإسبانية التي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي، ومن أهمها منطقة الباسك، على المطالبة باستفتاء مشابه لتوسيع الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال. في المقابل، قوبل الاستفتاء بدعم من بعض المسؤولين، الذين رأوا أنه مناسب لـ«تقرير المصير»، على اعتبار أنه يمكنه أن يمهّد لحلّ سلمي للصراع الدائر في منطقة الباسك مع منظمة «إيتا» الانفصالية، إذ إنه يمكن حلّ المشكلة باستفتاء شعبي يشجع على العمل السياسي على حساب العمل العسكري.
ردود الفعل على نتائج الاستفتاء تفاوتت بين التقليل من تأثيره على الوضع الحالي في إسبانيا، والتحذير من تداعياته. ورأت صحيفة «ال بايس» «أنه لا يمكن أن يكون (الاستفتاء) مقياساً اجتماعياً. من الواضح أنها كانت مجرد تسلية نظمت من الانفصاليين ولمصلحتهم، بما أن غير الانفصاليين لم يكونوا متحمسين له». لكن صحيفة «ال موندو» حذّرت من أن الأحزاب القومية في كاتالونيا ستستعمل النتائج لدعم مطالبها، مشيرة إلى أنه «سيكون من الخطأ أن يُعَدّ ما حصل في كاتالونيا مجرد مسرحية».
هذه المسرحية التراجيدية يمكن أن تتحول إلى قصة واقعية بالنسبة إلى إسبانيا وكاتالونيا لتزامنها مع استعداد المحكمة الدستورية لإصدار حكمها في مدى دستورية صيغة الحكم الذاتي الذي حصلت عليه كاتالونيا في عام 2006.
فالإقليم كان يتمتع ضمن الدستور المعدل لعام 1978بحكم ذاتي شبيه بباقي أقاليم إسبانيا، التي قُسِّمت في أعقاب تسلّم الملك خوان كارلوس السلطة بعد وفاة فرانسيسكو فرانكو (1975) إلى 17 منطقة إدارية ذات حكم ذاتي، بعدما كانت تحت حكم شمولي في عهد فرانكو.
غير أن القدرة التأثيرية التي يمتلكها الإقليم في النظام الإسباني، وخصوصاً أنه يمثل 25 في المئة من الاقتصاد الإسباني، جعله يطالب بمزيد من الصلاحيات، فكان أن حصل استفتاء في عام 2006 على زيادة صلاحيات الحكومة المحلية، وحصل وقتها على تأييد 74 في المئة من المنتخبين، وعلى دعم الحكومة الإسبانية، في ظل مشاركة 49 في المئة من المواطنين. وطرح المشروع إعطاء كاتالونيا حصة أكبر من العوائد من الضرائب والمطار والمرفأ، وقدرة على التحكم في قضية الهجرة إلى الإقليم، والمزيد من المال من مدريد يستثمر في الطرقات وسكك الحديد، بالإضافة إلى استعمال اللغة الكاتالونية بالتساوي مع اللغة الإسبانية لغةً رسمية. كذلك فإنّ الاتفاق أشار إلى أن كاتالونيا يمكن أن تعدّ نفسها «أمة».
ويتخوف البعض من إمكان أن يؤدي أي حكم سلبي للمحكمة الدستورية إلى تغذية الشعور الانفصالي، وهذا ما يعول عليه منظمو الاستفتاء. عندها سيصبح لهذه النوع من الإجراءات أهمية أكبر، وخصوصاً بعدما أعلنت مجموعة «المجلس الشعبي لاستقلال أمة كاتالونيا»، المسؤولة عن المشروع، أنها تعمل على إجراء المزيد من الاستفتاءات غير الرسمية وحصد المزيد من التأييد، وستُجرى استفتاءات مماثلة في 28 من شباط و25 من نيسان المقبلين، على أن تشمل هذه الاستفتاءات غير الرسمية كبرى المدن الكاتالونية، وحتى العاصمة برشلونة.
ورغم أن هذه الاستفتاءات لا تملك أي صيغة قانونية، إلا أن المنظمين يأملون أن تمثّل نتائجها «الإعلامية» ضغطاً على الحكومة لطلب استفتاء رسمي، لأن الحكومة المركزية في مدريد هي الوحيدة المخوّلة إجراء هذا النوع من الاستفتاءات.
غير أن الحكومة في إسبانيا لديها حساباتها الخاصة، ففي حال إلغاء المحكمة الدستورية لصيغة الحكم الذاتي الحالية في كاتالونيا، فإن ذلك سيؤثر على حظوظ ائتلاف رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس ثاباتيرو، الذي يتكل على دعم الأحزاب الكاتالونية في الانتخابات التشريعية المقبلة عام 2010، عندها ستصبح حسابات الربح والخسارة لرئيس الحكومة وحزبه هي ما يحدد كيفية سير الأمور.