للمرة الأولى منذ تأسيسها قبل 64 عاماً، تواجه محكمة العدل الدولية في لاهاي قضية تتعلق ببحث قانونية انفصال «إقليم» عن دولة وإعلان استقلاله
ربى أبو عمو
في الثامن من تشرين الأول 2008، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالموافقة على طلب صربيا تحكيم محكمة لاهاي في ما إذا كان إعلان استقلال كوسوفو الأحادي الجانب في 17 شباط من عام 2008، متطابقاً مع القانون الدولي.
بدأت المحكمة النظر في الدعوى في الأول من الشهر الجاري، على أن تصدر حكمها النهائي في نيسان المقبل. جلس 15 قاضياً على المقعد الخشبي الطويل الخاص بهم. ينتمي ثمانية منهم إلى الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفو، وهي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان والأردن وسيراليون ونيوزيلاندا. أما السبعة الباقون، فينحدرون من الدول التي عارضت استقلال الإقليم، وهي روسيا والصين وسلوفاكيا والمغرب والبرازيل والصومال.
حَوْلَ القضاة، أخذ كل من «المدعي» و«المدعى عليه» مكانهما، مدعومين بعدد الدول التي قررت المشاركة في الحكم (أي الدفاع). حسمت 15 دولة موقفها لمصلحة كوسوفو، وهي ألبانيا والسعودية والأردن والبحرين وبوروندي والنمسا وبلغاريا وكرواتيا والدنمارك وفنلندا وألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة، وذلك بفارق بلدين عن صربيا، ليكون عدد الداعمين للأخيرة 13 دولة، وهي: الأرجنتين وأذربيجان وبيلاروسيا وبوليفيا والبرازيل والصين وقبرص ولاوس ورومانيا وروسيا وإسبانيا وفنزويلا وفيتنام.
هذا الحدث، بما يضم من قانونيين ودول، ليس له أي تأثير فعلي على الأرض، وخصوصاً أن قرار المحكمة ليس ملزماً. فدورها لا يتعدى كونه استشارياً بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت في الثمانينيات من القرن الماضي اعترافها بالسلطة القضائية الإلزامية لهذه المحكمة، ما يعني أنها تلتزم بما تقبله من قرارات المحكمة وتتحلل مما لا تقبله.
صحيح أن الدولتين المعنيتين في القضية هما صربيا وكوسوفو (التي لا تستطيع أن تتمثل بنفسها لعدم اعتراف مجلس الأمن باستقلالها)، لكن واقع الأمر يُظهر أن روسيا والولايات المتحدة هما طرفا النزاع الحقيقيان. أمرٌ انعكس داخل المحكمة، لتكون واشنطن وموسكو أبرز متكلمين.
خلال دفاعه عن صربيا، قال المسؤول في وزارة الخارجية الروسية، كيريل جيفورغيان، إن «القرار الرقم 1244، الذي أقره مجلس الأمن الدولي في عام 1999، ووافق على نشر قوات دولية في كوسوفو وضمان وحدة أراضي صربيا، لا يزال ساري المفعول. لذا، فالإعلان الأحادي لاستقلال كوسوفو يتناقض مع القرار». وأضاف أن «الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في كوسوفو خلال التسعينيات لا يمكن أن يبرر إعلان الإقليم الاستقلال»، مشيراً إلى أن «سكان كوسوفو لا يملكون حق تقرير المصير».
وفي السياق، أعرب الرئيس الصربي بوريس تاديتش عن أمله في أن «تؤدي الدعوى المرفوعة أمام المحكمة إلى انطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين بلاده وكوسوفو»، قائلاً: «سنفعل كل ما في وسعنا للدفاع عن مصالحنا الوطنية. لكن هذا لا يعني أننا مصممون على خلق المشاكل، فنحن لم نعد جزءاً من المشكلة بل جزءاً من الحل».
في المقابل، يقول أنصار كوسوفو إن «القانون الدولي العام لا يمنع ولا يجيز إعلان الاستقلال. حتى أن المسؤولين الصرب أوضحوا أن بلادهم لا تنوي الاعتراف باستقلال كوسوفو بغض النظر عن قرار المحكمة». وقال رئيس الوفد الأميركي القانوني هارولد هونكجو كوه، إن «كوسوفو هي حالة خاصة»، موضحاً أن «تسعة من خمسة عشر عضواً في مجلس الأمن الدولي أيدوا استقلال المنطقة، وجميع هذه البلدان دعمت القرار 1244». وجدد التعبير عن قناعة بلاده قائلاً: «إن العملية التي أُنجزت في القرار 1244 قد انهارت».
إلا أن ما لا تقوله أميركا، هو أن «كوسوفو، البقعة الصغيرة من الأرض، هي واحدة من أكثر المواقع الاستراتيجية في كل أوروبا». إذ تتيح للولايات المتحدة التحكم في سير النفط من بحر قزوين إلى الشرق الأوسط وأوروبا. وهدف البنتاغون إلى السيطرة على الإقليم (سابقاً) لتأمين قاعدة عسكرية للسيطرة على كامل منطقة جنوب شرق أوروبا. ومع وجود 16 ألف جندي لحلف شمال الأطلسي داخل حدود كوسوفو، فهذا يعني أن واشنطن تسيطر على المنطقة بالكامل. وإضافة إلى هذه العوامل، فإن الأراضي الكوسوفية هي أحد أبرز طرق عبور الهيروين من أفغانستان إلى أوروبا.
لا شك بأن قرار المحكمة غير الإلزامي سيسعى إلى إرساء توازن بين صربيا وكوسوفو، وبالتالي روسيا والولايات المتحدة، كي لا يستثير غضب الدول، ولعدم تأجيج الخلافات بينها، وخصوصاً أن المحكمة تدرك أن حكمها «شكلي».