في مثل هذا اليوم قبل 20 عاماً كان الحدث ــ الزلزال الذي أدخل العالم في أتون سلسلة من التحولات التي لا تزال فصولها تتوالى حتى يومنا هذا: سقوط جدار برلين الذي فتح كوّة في المنظومة الاشتراكية أدّت إلى انهيارها. وقتها تشدّق البعض بأن التاريخ قد بلغ نهايته السعيدة: عالم يعبق بالرأسمالية والديموقراطية على قاعدة اللبرلة التي سرعان ما تحولت شعاراً سعت القوى المنتصرة في الحرب الباردة إلى تعميمه، إن عبر المؤسسات الدولية (من بنك دولي وصندوق نقد ومنظمة التجارة العالمية) أو عبر أجهزتها الرسمية والمنظمات غير الحكومية (حريات وحقوق إنسان وتدخل في شؤون الدول الأخرى باسم الانسانية). وقتها أطلقت دينامية عالمية تسعى إلى تحرير رؤوس الأموال والبضائع من كل قيد (خلافاً للعمالة). بدأ المنظرون يروّجون لنهاية مفهوم الدولة الأمة. لزوال الحدود. لعالم معولم. قرية كونية أسهمت تكنولوجيا الاتصالات في تسهيل قيامها. أدوات قديمة بروحية متجددة وظفها أغنياء هذا الكوكب لتأمين استمرارية نهبهم لفقرائه. عناوين متعددة ظهرت على الساحة: إصلاحات هيكلية، خصخصة، تحرير التجارة... كلها تستهدف أمراً واحداً ألا وهو القضاء على المكاسب الاجتماعية التي انتزعت في خلال عقود من النضال: وداعاً لدولة الرعاية. ساعد في ذلك طبعاً تفكك الحركات اليسارية على أثر انهيار الاتحاد السوفياتي ودخولها في سبات لم تتمكن بعد من الخروج منه (باستثناء أميركا اللاتينية). انتعشت أحزاب اليمين، التي سرعان ما عززت سيطرتها في أكثر من مكان، فيما ارتدت الأحزاب الاشتراكية لبوساً جديداً يلائم العصر (حزب العمال البريطاني نموذجاً).
تبقى الإشارة إلى أن محاولات الولايات المتحدة استغلال تلك اللحظة التاريخية لتعزيز هيمنتها وإطالة أمد إمبراطوريتها أدّت إلى أنهر من الدماء سفكت في حروب بدأت في الخليج (حرب الكويت) مروراً بقلب القارة القديمة (البلقان) ومن ثم أفغانستان، قبل أن تعود مجدّداً إلى أهل العروبة (غزو العراق)، ورافقتها نظريات بدأت بـ«صدام الحضارات» وصولاً إلى «الفوضى الخلاقة» و«الحروب الاستباقية» وشبيهاتها.
في ما يأتي محاولة لاستعادة تلك «اللحظة» وتأثيراتها على العالم عامة، وأوروبا خاصة.