باريس ــ بسّام الطيارةيحتلّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الخاطفة بين روسيا وجورجيا في آب من عام ٢٠٠٨، رأس قائمة “منجزات” الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على الساحة الدوليّة. إنجاز يذكّر به مؤيّدوه بمناسبة ومن دون مناسبة، إلّا أن صدى التصعيد الخطابي وقرع طبول الحرب الكلامية على أبواب آسيا الوسطى، يدل على أنه لا يوجد حتى اليوم أيّ حل “لاحتلال” روسيا قسماً كبيراً من أراضي جورجيا، ولا للخلاف الجورجي الداخلي.
يوم السبت الماضي، سارت في وسط العاصمة تبليسي تظاهرة احتجاجية ضد الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، دعت إليها منظمات حقوق الإنسان الجورجية غير الحكومية، وممثلون عن أحزاب المعارضة، طالبت باستقالة ساكاشفيلي. وتزامنت التظاهرة مع الذكرى السنوية الثانية للأحداث التي وقعت في العاصمة قبل سنتين، حين فرقت الشرطة تظاهرة سلمية بالرصاص المطّاطي والغاز المسيل للدموع. وما زالت المعارضة تتّهم ساكاشفيلي بالإخفاق في تنفيذ الإصلاحات الديموقراطية التي وعد بها إبان “الثورة الزهرية” عام ٢٠٠٣، والتي أتت به إلى السلطة.
في هذا الوقت، ما زالت روسيا “تتابع عن كثب” كل ما يحصل في الدولة الصغيرة التي كانت تدور في فلكها سابقاً. وأعلنت دائرة الهجرة الفدرالية في روسيا يوم الخميس الماضي منح “ضابط جورجي سابق لجوءً سياسياً”، ولم يكن منه إلّا أن دخل عن طريق أبخازيا. ومن المعروف أن موسكو اعترفت عقب الحرب في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، باستقلال هاتين الدولتين عن جورجيا، وهو ما يشير إلى التوتر بين البلدين، وسط إعلانات متبادلة من الطرفين بإمكان “عودة الحرب”.
التوجّه الديموقراطي لجورجيا الصغيرة من الأسباب الرئيسية للنزاع
وقبل أيام، قال رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، ألكسندر شلياختوروف، “إن جورجيا قد تهاجم إقليم أوسيتيا الجنوبية”، متّهماً حلف شمالي الأطلسي بـ “الاستمرار في إمداد جورجيا بالأسلحة، إضافةً إلى إسرائيل التي تزوّدها بطائرات من دون طيار، فيما تمدّها أوكرانيا بالمدفعية الثقيلة والأنظمة المضادة للطائرات”. وأضاف “لا يزال الوضع مع جورجيا متوتّراً لأن السلطات الجورجية الحالية لا ترفض فحسب الاعتراف بسيادة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، بل تحاول بكل الطرق إعادة هاتين الدولتين إلى سلطانها. وأضف إلى هذا محاولات القيادة الجورجية برئاسة ساكاشفيلي، التي لا يمكن التنبؤ بها، والتي قد ترضخ للإغراء باستخدام القوة لترويض هاتين الجمهوريتين العنيدتين، مثلما فعلت العام الماضي”.
في المقابل، لا ينفي سفير جورجيا في باريس ماموكا كودافا، في حديث خاص لـ“الأخبار”، “إمكان عودة الحرب، لكن على شكل حرب عصابات، رداً على التدخل الروسي المستمر”. كذلك لا ينفي وجود معارضة داخلية جورجية، إلا أنه قال “إنها موجّهة أيضاً ضدّ الروس” الذين لا يزالون يرون أنّ جورجيا “بلد تابع”.
ورأى كودافا أن “التوجّه الديموقراطي لجورجيا الصغيرة” من الأسباب الرئيسية للنزاع، إضافةً إلى رغبة الروس في “إعادة التاريخ إلى الوراء”، هذا عدا محاولة موسكو منع تبليسي من نزع ورقة أنابيب الغاز من يدها، في إشارة مباشرة إلى رغبة الغرب في بناء خطوط تموين أوروبا بغاز آسيا الوسطى في جورجيا من دون المرور بالأراضي الروسية. ويؤكّد من جهة ثانية أن الاتهامات المتعلّقة برغبة جورجيا في الانضمام إلى الحلف الأطلسي باتت في غير محلّها، كما أنها لا ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأنه لا توجد أيّ قاعدة عسكرية أجنبيّة على أراضيها.
وأشار كودوفا إلى “العلاقات الطيبة” بين جورجيا والعالم العربي، نافياً في الوقت نفسه أيّ مساعدة عسكرية إسرائيلية خلال الحرب. إلّا أنه قال بطريقة غير مباشرة إن بلده إذ “يسعى إلى التسلّح من أي جهة كان، فذلك للدفاع عن نفسه”، وأكد “سحب كامل الجنود الجورجيين من العراق”.
وتنفي السلطات الرسمية نفياً قاطعاً وجود “أيّ نشاط للقاعدة” في بلادها على عكس اتهامات موسكو. ومن المعروف أنه يوجد في جورجيا (التي يبلغ عدد سكانها ٥ ملايين نسمة) 6.5 في المئة من المسلمين ينتمون إلى إتنيّات متعددة مثل الأبخاز في الشمال، والأذريين في الجنوب. وتتخوّف أوساط عديدة من أن يكون التوافق الروسي الأميركي خلال زيارة باراك أوباما المقبلة إلى موسكو على حساب جورجيا، وخصوصاً بعد “انزلاق موقف روسيا” بالنسبة إلى حسم الملف الإيراني والاقتراب من مواقف الغرب، بعدما “سحبت واشنطن مشروع الدرع الصاروخية”.
وكانت فرنسا قد عرضت اتفاقاً لوقف الحرب الجورجية ـــــ الروسية، شمل 6 نقاط بينها انسحاب القوات المسلحة الروسية إلى المواقع التي كانت ترابط فيها قبل اندلاع الأعمال الحربية في أوسيتيا الجنوبية، وعدم اللجوء إلى استخدام العنف بين الدولتين، ووقف الأعمال الحربية، ومنح حرية الوصول للمساعدات الإنسانية، وعودة القوات المسلحة الجورجية إلى مواقعها المعتادة، وبدء مناقشات دولية بشأن الإجراءات الخاصة بأمن واستقرار أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.