استضاف «المعهد الدنماركي في دمشق»، الأسبوع الماضي، مؤتمراً دولياً شارك فيه عدد كبير من الأوروبيين والأتراك، من سياسيين وأكاديميين وصحافيين، تحت عنوان «تركيا والشرق الأوسط»
دمشق ــ أرنست خوري
كل شيء كان مثالياً لنجاح مؤتمر «المعهد الدنماركي في دمشق» في 10 و11 من الشهر الجاري؛ طقس مناسب للوافدين من برد بريطانيا وفرنسا والدنمارك وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة وسويسرا وتركيا. تنظيم دنماركي جيد جداً بشبه إجماع للحاضرين. المعهد، أو «بيت العقاد»، كان بدوره كفيلاً بتوفير جوّ دافئ وملائم لعقد مؤتمر دولي مماثل، بما أنه منزل عربي كبير، بُني في ثلاث حقبات تاريخية (1450 و1760 ومنتصف القرن التاسع عشر لاحقاً). جزء منه روماني، وقسم آخر مملوكي، وبعض غرفه عثمانية الهندسة والطابع.
إذاً، المسيحية الأوروبية والإسلامان المملوكي والعثماني كانت حاضرة في مكان واحد أصبح «ملك» معهد دنماركي شبه حكومي (تتشارك في تمويله وزارات دنماركية ومنظمات غير حكومية) لمدة 50 عاماً بدلاً لإعادة ترميم البيت بين عامي 1997 و2000 بكلفة ناهزت 5 ملايين دولار.
معهد دنماركي هو الوحيد من نوعه في العالم العربي، ونشاطاته طابعها ثقافي ـــــ سياسي: احتضان علماء الآثار الدنماركيين في سوريا، والفنّانين التشكيليين الدنماركيين، وجامعيين يعدّون أطروحاتهم في عاصمة الأمويين، وتنظيم ندوات علمية تاريخية وفنية وسياسية، وتعليم أطفال سوريين أسس إخراج الأفلام studio films. كل شيء إلا تعليم اللغة الدنماركية، ببساطة لأنّ السوريين «لا يهتمون بتعلم هذه اللغة»، بحسب اعتراف مدير المعهد هانس نيلسن.
على الأرجح، لم يشعر أيٌّ من المشاركين بوطأة أنّ الدنمارك من أبرز الدول المعارضة لقبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. فمعظم المدعوّين هم من المؤيدين الشرسين لهذه العضوية، حتى من الطرف الأوروبي، أكانوا سياسيين أم صنّاع رأي. على سبيل المثال، تبرز مشاركة وزير الخارجية الدنماركي السابق، النائب الأول الحالي لرئيس مجلس النواب، نائب رئيس لجنة السياسات الخارجية موغنس ليكيتوف. كذلك شاركت النائبة الهولندية في البرلمان الأوروبي مارييتي شاكي، إلى جانب وزيرة الخارجية النمساوية السابقة أورسولا بلاسنيك عن «حزب الشعب النمساوي». وكان حضور الوزيرة النمساوية لافتاً، إذ حاولت التمييز بين أمرين: حزبها اليميني معارض شرس لتركيا أوروبية، على هذا الأساس اعترفت بأنها «سبّبت أذىً كبيراً للدبلوماسية التركية» طوال عملها بوصفها وزيرة لخارجية بلادها. لكنها في دمشق تشارك باسمها الشخصي، لا تتحدث باسم حزبها ولا باسم دولتها.
وظهر اهتمام الرأي العام الأوروبي والتركي بكل ما يتعلق بتركيا، من خلال العدد الكبير من الصحافيين الذين حضروا للتغطية الإعلامية: مندوبون عن أكثر من 15 وسيلة إعلامية أوروبية وتركية كانوا موجودين (في مقابل 4 وسائل إعلام عربية مكتوبة فقط). أما في ما يتعلق بالحضور التركي في الندوات، التي توزعت على يومين، فقد نجح المنظمون في دعوة مختلف أطياف الخريطة السياسية التركية: كان هناك رجال حزب «العدالة والتنمية» (رغم أنّ جميعهم أصرّوا على التوضيح أنّ حضورهم شخصي ومستقل). كذلك حضر الليبراليون والعلمانيون المدافعون عن المؤسسة العسكرية «المظلومة لأنها حُمِّلت كل الأخطاء التي حصلت منذ تأسيس الجمهورية». أيضاً لم يغب من يحمل مواقف أكراد تركيا من خلال أستاذة جامعية شابّة تركية، وليست كردية، ترى أنّ عبد الله أوجلان «أبرز شخصية عرفها التاريخ الحديث للشرق الأوسط».
إلا أنّ خللاً كبيراً شاب أعمال المؤتمر؛ المشاركة العربية. عربي واحد هو جهاد الزين من الزميلة «النهار»، احتلّ مقعداً على طاولة المحاضرين. ظاهرة أثارت استياء الأتراك خصوصاً، بما أنّهم كانوا متلهّفين لسماع رأي العرب بدولتهم «الجديدة» في عالمهم. لا شكّ في أنّ المنظّمين كانوا يدركون أهمية الحضور العربي، وخصوصاً على منبر المؤتمر. إلا أنّ الحظ عاكسهم: مدير مكتب فضائية «الجزيرة» غسان بن جدّو حضر مستمعاً لدقائق قبل أن يضطر إلى المغادرة بسبب طارئ شخصي. مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية مصطفى اللبّاد وإبراهيم حميدي من «الحياة» «اختفيا»، على حد تعبير منظم المؤتمر يسبر بيرغ، رغم أنهما أكّدا حضورهما.
هكذا أمضى الأوروبيون والأتراك وقتهم بإخبار بعضهم بعضاً أموراً يعرفها بعضهم عن بعضهم الآخر، رغم أنّ الموضوع كان عودة تركيا إلى العالم العربي. لكن العرب لم يحضروا.
في أروقة المؤتمر، سُمعَت ملاحظة «غير بريئة» رأت أنّ موقفاً عربياً رسمياً قوياً كان حاضراً على طاولة الندوات، بما أن الصحافي البريطاني الشهير باتريك سيل، صاحب «أسد سوريا»، كان موجوداً.