ربى أبو عمولم يمرّ الاعتراف الأحادي لروسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية العام الماضي من دون انتقاد لاذع من الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية، وخصوصاً بريطانيا، التي قال وزير خارجيتها ديفيد ميليباند إن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف يتحمّل مسؤولية كبيرة في منع بدء «حرب باردة لا يرغب فيها الغرب».
ميليباند نفسه، كان يجلس قبل أسبوعين إلى جانب مدفيديف في موسكو. هو، بصفته وزيراً للخارجية، كسر أعواماً من القطيعة ليكون أرفع دبلوماسي بريطاني يزور روسيا منذ 5 سنوات. كان الجانبان قد مهّدا لبداية ذوبان الجليد عبر تأكيد رغبتهما خلال الأسابيع الماضية في أن «تكون علاقاتهما أكثر نضجاً». نضجٌ لا يبدو أنه قادر على حلّ الخلافات المتشابكة والمتراكمة؛ فميليباند كان واضحاً حين قال إن «لندن لن تتخلى عن طلبها. لا نزال نريد إحقاق العدالة»، في إشارة إلى تسليم قاتل عميل الاستخبارات السابق ألكسندر ليتفيننكو، مغلفاً هذا الموقف بإعلانه «إننا نعرف خلافاتنا، لكننا لا نسمح لها بعرقلة التعاون حيث يكون الأمر ممكناً».
تراكم الجليد بين البلدين بدأ على شكل اتهامات متبادلة بالتجسس، وخصوصاً منح لندن حق اللجوء السياسي لبعض أعداء الكرملين. إلّا أن التأزّم الحقيقي أخذ طريقه على خلفية تسميم ليتفيننكو بمادة نووية. اتهمت لندن موسكو بقتله، وطالبتها بتسليم أندريه لوغوفوي، المشتبه فيه الرئيسي بالاغتيال. بعدها، بدأت سلسلة من الإجراءات المتبادلة بين البلدين، من طرد دبلوماسيين ووقف التعاون بين أجهزة الاستخبارات، وليس انتهاءً بإغلاق فروع مكاتب المجلس الثقافي البريطاني في روسيا باستثناء موسكو.
وفي صيف عام 2007، أوقفت بريطانيا محادثات كان قد بدأها البلدان لتخفيف نظام تأشيرات الدخول بينهما، وأوصت رجال الأعمال البريطانيين بعدم الاستثمار في موسكو. بعده، أتى صيف عام 2008، الذي شهد حرباً جورجية ـــــ روسية، مع ما أثارته من انتقادات أوروبيّة لموسكو.
لكن في مقابل هذه العلاقات السياسية المضطربة التي وصفها العديد من الخبراء البريطانيين والروس بـ«الاسوأ منذ الحرب الباردة»، كانت العلاقات الاقتصادية تتجه نحو التقدم. تضاعف حجم التجارة بين البلدين ثلاثة مرات في السنوات الست الأخيرة. ولا تزال لندن رابع أكبر مستثمر أجنبي في روسيا. هذا التناقض وصفته صحيفة «الغارديان» البريطانية بأنه «علاقة جيدة من الناحية العملية وسيئة من الناحية النظرية».
أدار الرئيس الأميركي باراك أوباما تشغيل زر إعادة العلاقات بين واشنطن وموسكو. مفتاح تشغيل العلاقات هذا كان لا بد من أن ينسحب على بريطانيا، التي يبدو أنها خافت من الانزواء على هامش العلاقات الدولية، في ظل انفتاح أوروبي على موسكو، وفي مقابل براغماتية روسية لا يترك زعيماها، مدفيديف ورئيس وزرائه فلاديمير بوتين، مناسبة من دون التلويح بها.
بعد لقاء مدفيديف ـــــ ميليباند الأخير، أعلن وزير الخارجية البريطاني ونظيره الروسي سيرغي لافروف ثلاثة بيانات مشتركة عن منع انتشار الأسلحة النووية والمشكلة الأفغانية والوضع في الشرق الأوسط. في المقابل، أصر الجانبان على عدم تغيير مواقفهما في قضية ليتفيننكو، حتى إن لافروف تطرق مجدداً إلى موضوع تغيير الدستور الروسي الذي طالبت به بريطانيا عقب الأزمة، قائلاً إن «زملاءنا البريطانيين يدركون أن طلب تغيير دستورنا غير واقعي بتاتاً».
هكذا، قفزت لندن وموسكو فوق خلافاتهما من دون حلّها، مع السعي إلى تطوير العلاقات في مختلف المجالات.