تواجه إندونيسيا، البلد الإسلامي الأكبر في العالم، خطر زحف التشدد الديني الآتي من إقليم آتشيه. إقليم بدأت حكاياته مع المطالبات بالاستقلال، وانتهت به إلى مهدٍ لأحكام طالبانية موجهة إلى النساء
جمانة فرحات
التطبيق المتشدد لأحكام الشريعة الإسلامية سمة باتت مقترنة بإقليم آتشيه الإندونيسي، الذي لطالما أرّق الحكومة المركزية في جاكرتا. فبعد سنوات من حرب بين الحكومة والمتمردين الانفصاليين خلّفت أكثر من 12 ألف قتيل غالبيتهم من المدنيين منذ عام 1976، تغلب اتفاق السلام الذي وقع في عام 2005 على اتفاقات سابقة كانت تتعرض دائماً للانهيار.
اتفاق سمح للإقليم الواقع في شمال جزيرة سومطرة، الذي يطلق عليه السكان المحليون اسم «بوابة مكة» نظراً لأن عاصمته «بندا آتشيه» هي منذ عهد الإسلام محطة لانطلاق الحجاج باتجاه السعودية، بالتمتع بحكم ذاتي خاص، ما لبث أن استغل لفرض الشريعة الإسلامية من منطلق الفكر الطالباني المتشدد.
وبدأ الفرض تدريجاً في عام 2001، عندما سمح رئيس الحكومة الأسبق عبد الرحمن واحد بتطبيق الشريعة تطبيقاً غير رسمي في محاولة لإقناع الانفصاليين بإلقاء السلاح. إلا أن وتيرته بدأت بالتصاعد بعد إعطاء آتشيه رسمياً الحق بإقرار قوانينها وفقاً للشريعة الإسلامية.
وشهد عام 2006 تزايد تطبيق عقوبة الجلد في الساحات العامة. والشهر الماضي، أقرت آتشيه قانوناً يقضي برجم المدانين بالزنا حتى الموت، على أن يطبق على المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وينص القانون كذلك على عقوبات تصل إلى مئة جلدة للمدانين بالاغتصاب وشرب الكحول والمثلية الجنسية والقمار. هذا فضلاً عن إجبار النساء على عدم ارتداء السراويل الضيقة تحت طائلة «قصّ السروال وجعلها ترتدي جلباباً تقدمه سلطات آتشيه مجاناً». ولأن بعض المساواة مطلوبة في آتشيه، طُلب من الرجال أيضاً تجنب ارتداء السراويل القصيرة. كذلك بدأت لجنة الانتخابات في آتشيه بإجراء اختبار في تلاوة القرآن للمرشحين في الانتخابات الإقليمية التي تجري العام المقبل، على اعتبار أن «على أي عضو في المجلس التشريعي أن يكون قادراً على تلاوة القرآن».
الهدف الرئيسي هو ثني سكان آتشيه عن ارتكاب خطايا ومن أن يكون مصيرهم لاحقاً نار جهنم
رؤية رفض من يطبقها أي انتقادات لها، وطالب حاكم المنطقة، راملي منصور، من الذين لا يتفقون معه ألّا يهاجموه، بل «أن يوجهوا غضبهم إلى الله، لأن كل ما أفعله هو تطبيق واجب ديني». وحاول حزب «العدالة والازدهار»، ذو القواعد الإسلامية، تبديد القلق من تطبيق القانون بالقول إنه «بمثابة إجراء رادع لشعب آتشيه لتجنب انهيار أخلاقي»، فيما قال أحد مروجي القانون، مهريادي سيافيري، إن «الهدف الرئيسي هو ثني سكان آتشيه عن ارتكاب خطايا، ومن أن يكون مصيرهم لاحقاً نار جهنم».
تبريرات لم تستسغها مؤسسات حقوق الإنسان وحتى الإدارة الإقليمية لآتشيه، وصلت إلى حد وصف حاكم الأقليم، اروندي يوسف، قانون الرجم بـ«عقوبة الإعدام». وفي السياق، قال المثقف الليبرالي محمد غونتور روملي إن «إندونيسيا انبثقت من تعدد الثقافات والحكمة المحلية. إذا طبقت آتشيه الشريعة قانوناً جنائياً، فسيمثّل ذلك خطراً علينا، على إندونيسيا».
بدورها، رأت المحكمة الدستورية الإندونيسية أن تطبيق بعض الحكومات المحلية قوانين مستوحاة من الشريعة الإسلامية أمر غير دستوري وقد يهدد الوحدة الوطنية.
ورأت صحيفة «جنوب شرق أسيا» أن تطبيق القانون الجديد بمثابة اختبار للرئيس سوسيلو بامبانغ يودهويونو، الذي أُعيد انتخابه قبل أشهر، والذي يضم في ائتلافه الحاكم أربعة أحزاب سياسية دينية. ولفتت إلى أن الأحزاب السياسية الإسلامية التي تقف وراء فرض قوانين الشريعة الإسلامية هي تلك التي حققت نتائج سيئة في الانتخابات، بعدما حصدت 29 في المئة من الأصوات مقارنة مع 38 في المئة في عام 2004، ما فسّر على أنه محاولة منها لكسب المزيد من التعاطف.
وأكدت الصحيفة أن قوانين آتشيه هي خطوة لخروج البلاد عن تقليد التسامح الديني، فيما حذّر البعض من مخاطر التطورات في آتشيه على سمعة إندونيسيا بوصفها رمزاً «للإسلام المعتدل»، بعدما استطاعت أقلية صغيرة ومتطرفة النجاح في دفع جدول أعمالها محلياً ووطنياً، وهو ما انعكس بالفعل تحذيراً وجهه البرلمان الأوروبي للحكومة الإندونيسية من احتمال تأثر علاقاتها بالدول الأخرى حال تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية المتشددة في أقاليمها.
وذهب البعض إلى حدّ توجيه أصابع الاتهام للعرب بالوقوف وراء انتشار مظاهر الشريعة المتشددة في الإقليم، ولرجل الدين الإسلامي، فؤاد مرداة الله، فهو له رأيه في الموضوع. ومنذ عام 2006 يرى أن تطبيق الشريعة لا يتماشى مع الثقافة المحلية «هذه هي الثقافة العربية، وليست ثقافة آتشيه».
اتهامات وجد البعض مبرراً لها بعد أحداث التسونامي التي ضربت الإقليم في عام 2004، وقدوم العديد من المنظمات الإغاثية الإسلامية.


قصّة تمرّد

قصة الإسلاميين في آتشيه قديمة، تعود ربما إلى القرن الثاني عشر، على اعتبار ان هذه الجزيرة كانت بوابة دخول الإسلام إلى إندونيسيا، وشهدت أعنف الثورات في مواجهة الاستعمار الهولندي للأرخبيل.
المشاكل بين الإقليم والحكومة المركزية في جاكرتا بدأت بعد الاستقلال في عام 1945، بعدما قام الرئيس أحمد سوكارنو (الصورة) بحلّ الحكومة الإسلامية برئاسة محمد ناصر، وهو ما لم يرضَ عنه الإسلاميون في إقليم آتشيه الذي منح «وضعاً خاصاً» في عام 1950، لدوره في مواجهة الاستعمار الهولندي.
وفي عام 1953 أعلنت حركة تحرير آتشيه الثورة على النظام الحاكم في جاكرتا، إلا أنها قُمعت بعنف. غير أن حركة التمرّد شهدت تصعيداً جديداً في سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1976. تمرّد لم ينته إلا في آب من عام 2005، حين وقّعت جاكرتا وحركة تحرير آتشيه اتفاق هلسنكي لإنهاء نحو أربعة عقود من الصراع المسلح.
وتتهم حركة تحرير آتشيه الحكومة بنهب الثروات الطبيعية في الإقليم، وخصوصاً النفط والغاز، ولا سيما أن آتشيه غني بموارده من النفط والغاز والمعادن، بدليل امتلاكه لأكبر مكمن مغمور للغاز الطبيعي في العالم، بتقديرات تصل إلى 40 مليار متر مكعب. وينتج الإقليم ‏12‏ مليون طن من الغاز سنوياً‏،‏ تمثل ثلث صادرات إندونيسيا في هذا المجال‏. وكذلك ينتج يومياً ما يتراوح بين ‏15‏ و‏20‏ ألف برميل من النفط‏.
ويتهم المتمردون السلطات بشنّ سياسة احتلال وحشية بواسطة قواتها المسلحة وعبر توطين مهاجرين من جزيرة جاوا التي تتركز فيها السلطة السياسية في إندونيسيا.
(الأخبار)