تطلب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، «سي آي إيه»، بإلحاح، عملاء عرباً ومسلمين أميركيين لـ«حماية أميركا من الأذى ومن المخاطر الإرهابية». قد لا يكون الحدث نفسه جديداً، لكن جديده هذه المرة هو كم الإغراءات والإعلانات والدعايات التي كلها تهدف إلى نيل مساعدة من بقي طويلاً الخطر الأكبر على الأمن الأميركي
أرنست خوري
مدّ الرئيس الأميركي باراك أوباما، في القاهرة وفي اسطنبول، يده إلى مسلمي العالم لـ«فتح صفحة جديدة من الاحترام والفهم المتبادل». كلام لم يُصرف سياسياً، لا في العراق ولا في فلسطين ولا في أفغانستان، بل يبدو أنّ ترجمته الوحيدة ستكون أمنية بحتة في داخل الولايات المتحدة، بعدما أصبح همّ إدارة أوباما إغراء مسلمي وعرب أميركا للانخراط، في أهم وأكبر وكالة أمنية في العالم: وكالة الاستخبارات المركزية التي لطالما اهتمّت، إما بتغذية ورعاية وتمويل حركات أصولية إسلامية للقضاء على أعدائها الخارجيين (الحركة الشيوعية خصوصاً)، أو بالتنكيل والتجسّس على مواطني الولايات المتحدة ممن تشير أسماؤهم أو لون بشرتهم أو لكنتهم إلى جذور إسلامية وعربية، حتى لو كانوا يحملون الجنسية الأميركية منذ عقود.
ورغم أنه سبق لإدارة جورج بوش السعي إلى تجنيد عملاء عرب ومسلمين في «سي آي إيه»، إلا أن إدارة الرئيس ذي الجذور الإسلامية تسعى إلى استقطابهم باعتبارهم ضمانة أمنية أميركية، بعد 8 سنوات من سيادة نظرية «الفاشية الإسلامية»، والتعامل مع مسلمي وعرب أميركا على اعتبار أنهم «قنابل موقوتة» قد تنفجر في أي لحظة بالأمن القومي على شاكلة ما حصل في برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع.
وقررت وكالة الاستخبارات المركزية اللجوء إلى الإعلان التجاري لاجتذاب العملاء من هذه الفئة. وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتماد هذا الأسلوب في التجنيد، لكن الجديد فيه أنه سيكون موجّهاً نحو فئة معيّنة، علماً بأن الوكالة تجنّد عملاء منذ عام 2002، وحملاتها الإعلانية ناجحة على هذا الصعيد.
وبرّر مسؤول التجنيد في الوكالة الاستخبارية الأهم في العالم حالياً، هنري ميدينا، بدء بثّ الدعاية في مدينة ديربورن (ولاية ميتشيغان)، بالقول إنّها تحتضن «أغنى مجتمع متنوّع إثنياً في الولايات المتحدة».
واضطر ميدينا للتوجه إلى ديربورن ليطلع مسؤولي الجماعات الإسلامية هناك على نوعية مئات الوظائف المتاحة أمامهم في وكالته، بينها التمريض والترجمة والهندسة والتحليل، وليدعوهم ويشجعهم على «التفكير بالانخراط في الفرص المهنية الموجودة فيها».
متاعب الحوافز والتشجيع «تهون» لمجرد أنّ انخراط المسلمين والعرب في التجسس لمصلحة واشنطن، «يسهّل الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها الرئيس (أوباما) لحماية بلادنا»، على حد تعبيره. وفي السياق، برّرت مديرة البرامج في الوكالة، زهراء روبرتس، اختيار أسلوب الدعاية التجارية بأنه «الأفضل لجذب المجندين وبدء التواصل معهم»، وذلك بحماسة لافتة، ومن خلفها العلمان الأميركي واللبناني في ولاية ميتشيغان.
حملة إعلانية للوكالة لإغراء وتجنيد عملاء عرب ومسلمين وأميركيين إيرانيين
وتم استئجار شاشتين عملاقتين في ديربورن لتبثا دعاية مدفوعة، هي عبارة عن فيلم قصير «يهدف إلى أمر واحد: شرح إلى أي حدّ نقدّر المجموعات التي نخاطبها (المسلمون والعرب)» بحسب شرح روبرتس لشبكة «فوكس نيوز».
وبالفعل، بدا أنّ الحملة الإعلانية تؤتي ثمارها قبل أن تبدأ حتى، بدليل الشهادة التي تقدمها إحدى الأميركيات المستهدفات من الإعلان، سهيلة آمن، التي تشير، وهي ترتدي الحجاب الإسلامي، إلى «أهمية أن تكون السي آي إيه معنية بالوصول إلى المجموعات الأميركية الشرق أوسطية والمسلمة».
ويبدو أنّ الحملة الإعلانية الاستخبارية ستمر بمراحل عديدة؛ ويركز الإعلان الأول على قيم وحب العائلة. شريط مصوّر يظهر مجموعة أناس يتبادلون الضحكات والنكات والمزاح بمزاج مرح لتعميم قيمة تعلّق عليها آمن بالقول إنها «طريقة جيدة» للتواصل مع هذه المجموعات. لكنها تستدرك بأنها «رأت فقط أفراد عائلة مجتمعين، لكنّني لم أفهم بماذا قد يكون ذلك مفيداً بالنسبة للسي آي إي».
أما الإعلان الثاني فهو، ببساطة، عبارة عن «دعوة قوية إلى الاختصاصيين في المجموعات الإسلامية والشرق أوسطية للانخراط في الوكالة».
وبحسب الموقع الإلكتروني myfoxdetroit.com، بالنسبة إلى كثير من الأميركيين العرب، تبدو مساعي الـ«سي آي إيه» في الانفتاح والتعددية، وجعل الوكالة ممثِّلة حقاً لجميع مكونات هذا البلد، خبر سار لدى الفئات المستهدفة. رأي يختصره نابي يونو بالقول «أكنّا عرباً أو كلدانيين، فنحن أميركيون أولاً».
ويعتمد مسؤولو الوكالة، قبل إطلاق الحملة على التلفزيونات الأميركية، على أسلوب الاجتماع بمسؤولي المنظمات والجمعيات الإسلامية والإيرانية ـــــ الأميركية والشرق أوسطية عموماً، لـ«إغرائهم» بفوائد وإيجابيات الوظائف المتاحة أمام أبناء مجموعاتهم. حتى إن مدير الـ«سي آي إيه» ليون بانيتا انتقل إلى «عاصمة» مسلمي أميركا، ميتشيغان، واجتمع، في أيلول الماضي، بممثلي الطوائف الإسلامية فيها، وناشدهم بشكل عاطفي: «أحتاج إليكم، أميركا تحتاج إليكم». واضطر بانيتا إلى التكيف مع موعد إفطارهم حينها، وألقى أمامهم خطاباً دام 25 دقيقة، كاشفاً عن أنها المرة الأولى التي يفعل ذلك: إنها بلا شك إحدى علامات الغرام المستجدّ.
وتزامنت زيارة بانيتا تلك، مع بدء العمل بنظام تجنيد المسلمين في وكالة الاستخبارات، وأخبرهم في كلمته بأن وكالته بدأت منذ العام الجاري تطبيق نظام يمتد إلى خمسة أعوام لتعزيز موقع اللغة العربية في عملها.
ويهتمّ منسّقو الاجتماعات مع المجموعات «المستهدفة»، ومسؤولو الـ«سي آي إيه»، بأدق التفاصيل: أجواء حميمة لا سياسة فيها. مطبخ شرق أوسطي (خصوصاً الفلافل). اعتماد على تقارير مصوّرة تظهر أهمية هذه المجموعات في المجتمع الأميركي رغم أنها «غير ممثّلة تمثيلاً كافياً في وكالة الاستخبارات».
وفي أحد الإعلانات التي سيبدأ بثها قريباً، يُسمع صوت مرتفع يمجّد «أمّتكم، عالمكم» بلغة إنكليزية، مع لكنة شرق أوسطية واضحة. ويتابع الإعلان أن أميركا «تستحق العناء لحمايتها ـــــ وظائف شاغرة في السي آي إيه».
وإذا كان أسلوب التجنيد عبر الدعاية قديماً في أدوات عمل هذه الوكالة، إلا أن طريقة «إخبار القصّة» storytelling يُعتمَد للمرة الأولى في دعايتها المتلفزة بهدف إيصال رسالتها.
أصبح العرب والمسلمون مؤتمنين على أمن أميركا بعدما كانوا الخطر الأكبر عليه
أما الأميركيون من أصل إيراني، فكان لا بدّ من مخاطبتهم بإعلان قصير (30 ثانية) خاص بهم «يطمئنهم إلى أنّ الأميركيين يدركون كم أنّ ثقافتهم مهمة بالنسبة إليهم، وأنهم لن يخسروا ثقافتهم لحظة دخولهم إلى عالم السي آي إيه»، على حد تعبير مسؤولة التسويق والإعلام في قسم التجنيد في الوكالة كريستينا بيتروسيان.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» قد سبقت الـ «سي آي إيه» إلى السعي لتجنيد مهاجرين في صفوف الجيش، مع تقديم حوافز تشجيعية تساعد هؤلاء على نيل الجنسية الأميركية، وذلك للمرة الأولى في الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ قيادة الجيش قررت فتح الباب أمام حاملي الإقامات المؤقتة والبطاقات الخضراء (green card)، للانضمام إلى صفوف الجيش، بما أنّ المؤسسة العسكرية تفتقر إلى عناصر «كفوءة مهنياً». وإذا كان العديد من حاملي البطاقة الخضراء شاركوا في الحرب على العرق، إلا أن الجديد اليوم هو انضمام أصحاب الإقامات المؤقتة إلى مهداف التجنيد.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجيش يسعى لسدّ النقص الحاصل في عديده و«نوعيته» في أجواء توقّع إرسال ما بين 20 ألفاً و30 ألف جندي أميركي إضافيين إلى أفغانستان. وتظهر الحاجة الماسّة إلى عناصر جدد، سيكون معظمهم من المهاجرين، من خلال مرونة الشروط الموضوعة لقبول هذه العناصر الجديدة التي ليس عليها سوى أن تنجح في امتحان اللغة الإنكليزية، وأن تكون مقيمة على الأراضي الأميركية منذ عامين، وأن تكون حاملة تأشيرات دخول مؤقّتة.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإنّ الجيش الأميركي منتشر في مناطق عديدة في العالم، لذلك فهو بحاجة لأن يكون في عداده عناصر تعرف ثقافات الشعوب التي يتعاطى معها، لذلك ستكون نيويورك أول مدينة تستقبل الراغبين في الانضمام إلى الجيش من غير الحاملين للجنسبة الأميركية، بما أنّه مطلوب إيجاد 550 شخصاً يجيدون التحدث بـ 35 لغة، بينها الكردية والنيبالية والتامول. وبالنسبة للعام الأول، سيتمّ تجنيد 1000 شخص من المهاجرين، «وإذا نجحت التجربة، فسيتم توسيع العمل بموجب هذا النظام على جميع قطع الجيش الأميركي الذي يحتاج لتجنيد 14 ألف عنصر سنوياً».


... وإسرائيل تتجسّس عبر الـ«فايسبوك»

كشفت «مجلة إسرائيل» الفرنسية قبل أيام، أنّ جهاز «الموساد» يعتمد على موقع «فايسبوك» للتجسس على العرب والمسلمين من خلال اختراق سرية الموقع والوصول إلى المعلومات التي يظن مستخدموه أنها خاصة بهم. وبحسب المجلة، فإنّ الوصول إلى هذه المعلومات مهم جداً للعملاء الإسرائيليين لفهم كيف يفكّر العرب والمسلمون عموماً، ولتحليل نشاطاتهم. «سبق» صحافي تأكّدت صحّته بعدما أثار التحقيق غضب عدد من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وهو ما دفع سفارة الدولة العبرية لدى فرنسا إلى اتهام المجلة «بوضع معلومات سرية بتصرف الأعداء»، وفق تحقيق لموقع فضائية «العربية» على الإنترنت. تجدر الإشارة إلى أنّ أول من فضح القرصنة الإلكترونية الإسرائيلية كان أستاذ علم النفس في جامعة «بروفانس» الفرنسية، جيرار نيرو في عام 2001.