اتجاه لرفض المبادرة اليمينية في استفتاء الأحدجمانة فرحات
يحسم السويسريون يوم الأحد المقبل خيارهم في ما يتعلق بحظر بناء مآذن جديدة في بلادهم، بعد أشهر من احتدام النقاش بين مؤيّد ومعارض ومتردد. تباين كشف في نظر البعض مدى اختلاف الأفكار السائدة حول الإسلام والمهاجرين المسلمين، بعدما تحوّل وجود المآذن، التي تعلو قبب بعض المساجد، والتي لا تتخطى الأربع، إلى «تهديد للثقافة والخصوصيات السويسرية» في نظر البعض.
ويضع الأمين العام للتحالف الإنجيلي السويسري، خانسجورغ ليوتويلر، في حديث لمجلة «أخبار سويسرا»، المسألة في إطار «الخوف من المجهول والخوف من فقدان القيم المسيحية، فضلاً عن الخوف من الإسلام السياسي الراديكالي». وأوضح «أن حظر المآذن، التي تمثّل قيماً إسلامية، لن يساعد لا على الاندماج في المجتمع السويسري ولا على حماية سويسرا والمجتمع الإسلامي من الإسلام السياسي».
من جهته، ذهب عالم الاجتماع، كورت إيمهوف، منذ اندلاع الجدل حول موضوع المآذن قبل أكثر من ثلاثة أعوام، إلى القول إن «الإسلاموفوبيا باتت تفوق معاداة السامية من ناحية الأهمية»، وأن المجتمع يتجه إلى استقطاب جديد، «فبعدما غربت شمس العدو الشيوعي، جاء الدور على الإسلام». وأوضح «أنه منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، تغيّرت الأزمنة»، مشيراً إلى أنه «على أثر عدد من العمليات الخطيرة، التي نفّذها بعض المسلمين باسم الله، بدأ الإسلام بكامله يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى العدو الرقم واحد».
وحذّر إيمهوف من أن المسألة تتّخذ أبعاداً أكثر تعقيداً لأنه، بالإضافة إلى الأوجه السياسية والعرقية، نزل إلى الميدان العامل الديني أيضاً. ونبّه إلى أن «هذا قد يؤدي إلى مقاومة للاندماج في صفوف المسلمين»، الذين تقدّر أعدادهم في سويسرا بين 350 و400 ألف نسمة، ويمثلون ما بين 4.5 في المئة إلى 5.2 في المئة من مجموع السكان.
أما الأكاديمي باتريك هانّي، المكلّف بالأبحاث في مرصد الأديان السويسري (Religioscope)، فيرى أنه في العقدين الماضيين، كانت هناك نقاط احتكاك بين الأقلية المسلمة والمجتمع المحلي، تتعلّق بقضايا ذات علاقة بالحياة اليومية. لكنه رأى أن الخلاف المطروح حالياً مختلف جوهرياً لأنه يخص الإسلام ورموزه عامة. ووضع المسألة في سياق التطورات التي تشهدها الساحة الأوروبية عامة. ورفض هانّي الربط بين المآذن والخوف من الأسلمة ونسبة الولادات العالية لدى المسلمين والإسلام السياسي والحركات الإسلامية، معتبراً أنها تتحرك على نحو منفصل تماماً عن مسألة المآذن، ليخلص إلى القول إن أصحاب المبادرة «يستخدمون المآذن وسيلة للتعبئة في أوساط اليمين المتشدد لا أكثر».
ويعيد البعض تفجر الخلاف حول مسألة بناء المآذن في سويسرا إلى المنحى التصادمي الذي بُنيت من خلاله المئذنة الرابعة في فانغن، بالقرب من مدينة أولتنفي. فبعدما حاول مسلمو المدينة تجديد مركزهم الثقافي وتشييد مئذنة عليه في شهر أيلول 2005، رفضت السلطات المعنية طلبهم على أعتبار أن المئذنة «لا تتناسب مع الحي الصناعي». ووقف حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد بوجه المشروع وحصل على تأييد كنائس المدينة، فتطور الموضوع وقرر ممثلو الجالية المسلمة في المقابل رفع المشكلة إلى سلطات المقاطعة، لإعادة النظر في القرار، وأتى القرار في مصلحتهم.
ومنذ ذلك الحين تعهد حزب الشعب السويسري بالعمل على «استصدار قانون يحظر تشييد المباني ذات الصبغة الدينية المزعجة»، منتقداً «تزايد انتشار الرموز الإسلامية في مجتمعاتنا المسيحية»، على حد تعبير المتحدث باسم الحزب رومان ياغي. وبالفعل حاول الحزب في آب 2006 إمرار إجراء يدعو إلى حظر شامل للبناءات الدينية «المزعجة»، إلا أن برلمان سولوتورن رفض المقترح. وعلى الأثر، لجأ أعضاء في الحزب اليمني إلى استغلال سماح الدستور السويسري بالاستفتاء الشعبي لتعديل بعض مواده، إذا جمع مئة ألف توقيع، وأطلقوا في نيسان 2007 المبادرة بعدما استطاعوا جمع 113 ألف توقيع، قبل أن يتبنى الحزب رسمياً المبادرة ويدعو الناخبين إلى التصويت عليها، مع العلم بأنه رفض تمويل الحملة الانتخابية.
وتخلل الحملة الاعلانية للمبادرة جدل واسع حول عدد من الملصقات التي عُدت إشهارية، بينها ملصق يظهر امرأة ترتدي البرقع ومحاطة بمآذن تشبه الصواريخ.
ويستند مؤيّدو حظر المآذن في ترويجهم للمبادرة إلى قول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، عندما كان لا يزال رئيس بلدية اسطنبول عام 1997، «إن الديموقراطية ليست سوى القطار الذي نركبه حتى نصل إلى هدفنا. والمساجد ثكناتنا والمآذن هي حرابنا والقباب خوذنا والمؤمنون جيشنا». كما يحاول أصحاب المبادرة إزالة تهمة التعصب عنهم بلفت النظر إلى أن موضوع المآذن لا ينتهك حقوق الإنسان والأديان في نظرهم، كما ينادون أيضاً بأن المئذنة ليست من أركان الدين الإسلامي.
في المقابل، تعارض الحكومة السويسرية، إلى جانب ائتلاف واسع يضم العديد من الأحزاب السياسية السويسرية من اليمين والوسط واليسار، هذه المبادرة على اعتبار أنها تتناقض مع الحرية الدينية وحقوق الانسان ويمكن أن تؤدي الى إثارة المتطرفين بدلاً من احتوائهم، ليبقى يوم الأحد المقبل موعداً فاصلاً لتحديد مدى قدرة اليمين المتطرف على النجاح في اقتياد سويسرا إلى الميدان الذي اختاره، ومدى صحة استطلاعات الرأي السويسرية التي رجح آخرها، وفقاً لمعهد «ايزو بابليك»، أن يصوّت أكثر من نصف السكان السويسريين، وتحديداً 51.3 في المئة منهم، لرفض المبادرة، في مقابل 35 في المئة يؤيدونها.


تفاؤل إسلاميوأعرب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أكمل الدين إحسان اوغلو، عن ثقته بأن «شعب سويسرا سيتخذ القرار الافضل» من خلال رفض منع بناء المآذن. ورأى أن «سويسرا مجتمع ديموقراطي عريق وشعب سويسرا يعطي منذ قرون مثالاً للتعايش السلمي للأديان كافة».
من جهته، خص الداعية الإسلامي، يوسف القرضاوي (الصورة)، موقع «سويس انفو»، الذي تميّز بتغطية موضوعية للقضية منذ إثارتها، بحديث رأى فيه أن المئذنة إنما هي دليل على تسامح البلد، مؤكداً أن سويسراً في نظر الكثيرين هي بلد الحياد والأمان والحرية.
(الأخبار)