بول الأشقرجرت أمس انتخابات رئاسية في دولتين أميركيتين لاتينيتين صغيرتين. دولتان تمتازان بأنّ الانتخاب إلزامي في كلتيهما. لكن ما أبعد الأوروغواي عن هندوراس؛ ففي الأولى، التي قد تكون أعرق ديموقراطية في أميركا الجنوبية إذا ما قيسَت بمعايير الحزبية أو في وعي المواطنين، جرت الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. تنافس فيها خوسي موخيكا الملقب بـ«بيبي»، أحد زعماء مجموعة «توباماروس» الثورية السابقة ومرشح «الجبهة العريضة» اليسارية، ضد رئيس الجمهورية السابق لويس ألبرتو لاكايي عن «الحزب الوطني» المحافظ. في الدورة الأولى التي حافظت فيها «الجبهة العريضة» على أكثريتها المطلقة في مجلسي النواب والشيوخ، تقدم موخيكا على لاكللي. وتجمع كل استطلاعات الرأي على ترجيح أن يكون المرشح اليساري قد كرر إنجازه أمس، ليسمح بوصول ثاني يساري لسدة الرئاسة في تاريخ الأوروغواي، بعد الطبيب تاباري فاسكيز الذي ينهي، بتأييد شعبي عارم، أول ولاية رئاسية خارج احتكار السلطة التقليدية الذي تخطاه الزمان بين المحافظ والليبرالي.
أمّا في هندوراس الأميركية الوسطى، فتدور هناك لعبة أخرى: هي من أفقر دول المنطقة، وقد استُخدمت كقلعة منذ الستينيات، إثر «الحروب الثورية التي حدثت في الحديقة الخلفية» للولايات المتحدة. حروب انتهت منذ عقدين، وصار لاعبوها اليمينيون واليساريون في السلطة أو في المعارضة في جميع دول أميركا الوسطى، إلا في هوندوراس، التي تفتخر بغياب اليسار، وترى أن ذلك يمثّل «خصوصية لا يمكن التفريط بها». ربما هذا ما يفسر لماذا قذفت «الخصوصية» بمانويل زيلايا من السلطة ومن البلد. وهنا تظهر أسئلة عديدة: لماذا يحضر زيلايا الانتخابات ـــــ وقد سبق له أن دعا إلى مقاطعتها ـــــ من السفارة البرازيلية حيث عاد وتسلل؟ ولماذا لم ينجح في العودة إلى سدّة الرئاسة (التي كان سيتركها في كل الأحوال بعد شهرين) قبل إجراء الانتخابات، وهو ما كان شرطه ومطلب المجتمع الدولي بهدف عدم شرعنة الانقلاب العسكري؟ وأخيراً لماذا لا يعرف أحد، رغم الأضواء المسلطة منذ خمسة أشهر على وضع هذا البلد، اسم المرشحين.
مرشّح الحزب الوطني المحافظ هو بورفيريو لوبو، وقد خسر الانتخابات قبل 4 سنوات أمام مانويل زيلايا. خصمه هو الليبرالي إلفين سانتوس، نائب زيلايا وقد استقال من منصبه ليترشح عن حزبه الذي ارتدّ على زيلايا بغالبية أعضائه. حتى رئيس الانقلابيين روبرتو ميتشيليتي ينتمي إلى الحزب نفسه، وقد انقضّ على رئيسه عندما تحالف مع هوغو تشافيز. تتّجه الأنظار نحو معرفة نسبة المشاركة التي عادة ما تكون متدنية في هندوراس، وقد ترتفع هذه المرة بسبب التجاذب والأزمة المؤسساتية التي عتّمت على الحملات الانتخابية.
أنزل «نظام الأمر الواقع» عناصر قوى الجيش والشرطة، وحتى الاحتياطيين لرفع هذه النسبة على حساب حركة المقاطعة التي يقودها زيلايا وأتباعه، ورداً على رفض منظمة الدول الأميركية الاعتراف بـ«شرعية انتخابات أجريت تحت سلطة انقلابية». وكاد هذا المطلب يتحقق لو لم توافق واشنطن، في اللحظة الأخيرة، على النتائج، أياً كان القيّم على رأس الدولة. أخيراً يأتي الإنذار من بورفيريو لوبو، المرشّح للفوز، بأن «مقاطعة العالم ليست إلا مسألة وقت». قد تعود هندوراس بعد الانتخابات، قلعة اليمين في أميركا الوسطى، وقد نكتشف أيضاً أن اليسار دخل أخيراً إليها.
في الأوروغواي، حيث تكون المشاركة إجمالاً مرتفعة، الجيش مستنفر ومنتشر، لكن لأسباب مختلفة؛ فالعواصف والفيضانات التي لفّت مناطق عديدة من «سويسرا أميركا الجنوبية» (الأوروغواي) كادت تعطّل العملية الانتخابية.