في خضمّ النقاشات حول التغيّر المناخي والهجرة، تبرز قضية اللاجئين البيئيين ومخاطرها على الأمن الوطني والإقليمي، ما يستدعي تضافراً في الجهود لمواجهة هذا التحدّي
جمانة فرحات
باتت الهجرة البيئية حقيقة لم يعد من الممكن تجاهلها بعد اليوم، في ظل الازدياد المستمر للنازحين الذين يضطرون إلى الانتقال من مواطنهم بفعل التغيرات المناخية المتفاقمة، ما يستدعي إعطاء المزيد من الأولوية لأوضاعهم، وخصوصاً بعد توقّع الأمم المتحدة أن تتضاعف أعدادهم، التي تبلغ حالياً 20 مليوناً، لتصل إلى 50 مليوناً بحلول عام 2010، و200 مليون بحلول عام 2050.
ويعرّف اللاجئون البيئيون بأنهم الأشخاص الذين أجبروا على ترك مسكنهم التقليدي على نحو مؤقت أو دائم، بسبب اختلال بيئي حاد طبيعي أو من صنيع البشر، وقد عرّض هذا الاختلال وجودهم للخطر أو أثّر على جودة حياتهم.
وبالرغم من وجود تعريف واضح لهم، إلا أن هؤلاء اللاجئين يعانون من غياب الإطار القانوني الذي يعترف بهم، ما يترجم فشلاً في إمكان تأمين الحماية القانونية لهم. وفي السياق، شدد مدير معهد البيئة والأمن البشري التابع لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو، جانوس بوغاردي، على الحاجة إلى إقرار معاهدة دولية تعترف بهم رسمياً. لكنه أوضح أن مثل هذه المعاهدة يجب أن تكون منفصلة عن اتفاقية جنيف بشأن اللاجئين لعام 1951، وخصوصاً في ظل وجود خلاف على وصفهم باللاجئين أو المهاجرين من قبل الدول الأوروبية التي ترفض تبنّي مصطلح «اللاجئ» خشية اضطرارها إلى توفير الحماية لهم على قدم المساواة مع اللاجئين السياسيين.
وتتقاسم القارتان الأفريقية والآسيوية على نحو أساسيّ هؤلاء اللاجئين. ووفقاً للمديرة الإقليمية لمكتب الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أمة العليم السوسوة، تشير التقديرات إلى أن المنطقة العربية تعدّ أكبر منطقة حاضنة لللاجئين داخلياً، الذين ينضوي عدد كبير منهم في فئة اللاجئين البيئيين، ويتركّزون أساساً في السودان وسوريا والصومال والعراق واليمن.
أما في ما يتعلق بالقارة الأفريقية، فقد حذر المسؤول في المعهد الدولي للتنمية المستدامة، أوولي براون، من أن «أفريقيا هي أول قارة في العالم تقاسي بأكملها من تداعيات التغيير المناخي على استقرارها السياسي والاقتصادي». وتعدّ جنوب أفريقيا والكونغو وأوغندا والسودان، على رأس قائمة الدول الأفريقية التي تحتضن اللاجئين البيئيين، فيما تعدّ كولومبيا من أكثر دول أميركا الجنوبية تضرراً، وبنغلادش آسيوياً.
وفي السياق، تشير الدراسات إلى أن احتياطي المياه في جنوب أفريقيا سينفد بحلول عام 2025، وترجح ازدياد عدد اللاجئين البيئيين بنسبة عشرة أضعاف في هذا البلد، فيما تشير توقعات أخرى إلى أن نهر النيل سيفقد على الأقل 20 في المئة من مياهه خلال العقود المقبلة، مسبّباً المزيد من الهجرات السكانية.
وتتخطى التحديات التي يشكلها اللاجئون البيئيون النواحي الاقتصادية والاجتماعية، لتشمل أيضاً تحديات أمنية، يجمع المحللون على أن السنوات المقبلة ستكون مسرحاً لها، ولن تكون بمنأى من تداعياتها أي قارة أو بلد.
مخاوف بدت جليّة في التحذيرات التي أطلقها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، قبل أكثر من ثلاث سنوات؛ حثّ الحكومات والمجتمعات المحلية على التركيز على هذه التحديات لأن هناك «أدلة متزايدة على أن تدهور الأراضي الجافة والتنافس على الموارد التي ما فتئت تزداد ندرة، يمكن أن يؤدي إلى نشوب نزاعات بين المجتمعات المحلية».
كذلك أدركت الدول الصناعية، وفي مقدمها الولايات المتحدة، مخاطرها؛ وأصدرت عدداً من التقارير، أوضحت فيها أن التغيرات المناخية وما يترتب عليها تمثّل تهديداً لأمن الولايات المتحدة، ما يتطلب «إدماجها في صميم الاستراتيجيات الوطنية للدفاع». وأوضح تقرير حمل عنوان «التغيرات المناحية والصراعات: رابط الهجرة»، أن الهجرة قد تؤدي إلى الصراع في مناطق استقبال النازحين إذا لم تعالج بطريقة سليمة، إضافة إلى أن دوافع الهجرة قد تؤثر على النزوع إلى العنف.
يبقى أن مواجهة هذه التحديات المستقبلية، وإن كانت تختلف من دولة إلى أخرى بفعل تفاوت القدرات ومستوى المخاطر التي تحدق بها، تتطلب التزاماً عالمياً، لأن هؤلاء النازحين، وإن كانوا يقومون بخيار طوعي وعقلاني بالهجرة، إلا أنهم في الوقت نفسه يُكرهون على الفرار من أوضاع بيئية لا يمكن الرجوع عنها، ولم يكونوا هم أنفسهم في كثير من الأحيان السبب وراءها، بل ضحايا لها!