لم يتبنَّ تنظيم «القاعدة» الصومال كقاعدة أساسية، لكنه حافظ على وجوده في هذه المنطقة منذ أوائل التسعينيات، نظراً إلى غياب الدولة، الأمر الذي مثّل نقطة جذب للاختباء من الملاحقة الدولية، ونقطة انطلاق للقيام بعمليات في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وهو أمر لا يزال قائماً حتى اليوم مع ظهور الأطراف الصومالية الجديدة التي تدين بالولاء للتنظيم الجهادي العالميحبيب إلياس
مثّل التدخّل الأميركي الأممي في الصومال ما بين عامي 1992 و1995 باب العبور إلى الداخل الصومالي، وخصوصاً بعد انتهاء الحرب الجهادية ضد القوات السوفياتية في أفغانستان. وقتها، أصبح التنظيم من دون جبهة قتال، ووجد عناصره ضالّتهم في التدخل الأميركي في الصومال. وما كان من مؤسّس تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن إلا الدعوة إلى «قطع رأس الأفعى» ومنع الولايات المتحدة من السيطرة على أرض المسلمين
في عام 1993، تم تكليف رئيس المجلس العسكري في «القاعدة» أبو عبيدة البنشيري، برئاسة العمليات في الصومال. والبنشيري هو الاسم الحركي لعلي أمين الرشيدي، المصري الجنسية، الذي يرتبط بعلاقة قرابة ونسب مع عبد الحميد عبد السلام، أحد الذين اشتركوا في اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
ووفقاً لمصادر في الاستخبارات البريطانية، فقد كُلّف كل من علي محمد وصادق محمد عودة بتأسيس مخيمات تدريب في الصومال. وبحسب عودة، الذي ألقى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي «اف بي أي» القبض عليه، فإن نشاطات «القاعدة» نُسّقت مع قادة اتحاد المحاكم الإسلامية، ومن أهمهم: حسن ضاهر عويس، بالإضافة إلى ميليشيا برئاسة محمد فرح عيديد، التي كانت مسؤولة عن عملية 3 تشرين الأول 1993 حين أسقطت مروحيّة «بلاك هوك» تابعة للجيش الأميركي وقتل 18 جندياً أميركياً في معركة استمرت 17 ساعة ويعتقد أنها السبب الرئيسي في انسحاب القوات الأميركية من الصومال.
لكن تدخل عناصر «القاعدة» في تلك المرحلة كان هامشياً لاعتبارات عديدة، أهمها تغليب الفكر القبلي على الفكر الديني الجامع، فكان ولاء الصوماليين في الأول لقبيلتهم ولم تجذبهم فكرة الإسلام المتشدد. ومع ذلك مثّل الصومال الملجأ الآمن للتخطيط لاستهداف المصالح الأميركية في القرن الأفريقي.
وتسلّم الأميركي من أصل لبناني وديع الحاج مسؤولية تشكيل خلية كينيا، وكانت واجهتها منظمة «مساعدة الشعب الأفريقي» غير الحكومية، التي أصبحت على علاقة وطيدة بمنظمة «ميرا»، التي أسّسها في دبلن أحد أساتذة بن لادن، سفر الحوالي. وعقب إلقاء القبض على وديع الحاج ونقله إلى الولايات المتحدة، تسلّم فضول عبد الله محمد، خلية نيروبي، وهو مواطن من جزر القمر يحمل جواز سفر كينياً. وهذه الخلية أدارت الاتصالات مع بن لادن عبر قائد مجموعة مومباسا صالح علي صالح نبهان، الذي أعلنت الولايات المتحدة قتله في الصومال الشهر الماضي.
اتصالات أثمرت في السابع من آب 1998 عن تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كل من نيروبي ودار السلام. وأظهرت التحقيقات أنه خلال فترة الإعداد للعمليتين كان لخلية الصومال الأثر الأكبر في التخطيط والتدريب. وبحسب الاستخبارات الأميركية فإن أدلة ظهرت تربط اتحاد المحاكم الإسلامية برئاسة حسن طاهر عويس وحسن التركي في التحضيرات.
وفي عام 2001 عقب أحداث الحادي عشر من أيلول، جمع كلّ من نبهان وفضول فريقاً جديداً في مقديشو تمهيداً لهجوم مومباسا عام 2002. وبحسب مصادر استخبارية، كُلّف طارق عبد الله، المعروف بـ«أبو طلحة السوداني» الذي كان يعمل بين الصومال والإمارات العربية المتحدة، تمويل المنظمة.
وفي عام 2002 حُدّدت الأهداف، فوقع الخيار على كل من مطار مومباسا الدولي وفندق بارادايس الذي يملكه إسرائيليون. وتم الهجوم بقيادة النبهان وحده بعد عودة فضول إلى كينيا، وقد استهدف بشاحنة ملغومة عام 2002، ما أودى بحياة 15 شخصاً.
ورغم مقتل النبهان، إلا أن الصومال لا يزال ملجأً لقياديي «القاعدة» الفارّين. ويعتقد أن فضول عبد الله محمد موجود هناك. وفضول، الذي اعتقل لفترة وجيزة في مومباسا بتهمة السرقة، ثم فرّ من السجن، يشار إليه كقائد لتنظيم «القاعدة» في شرق أفريقيا. وهو يستطيع التحدث باللغة الفرنسية والسواحلية والعربية والإنكليزية ولغة جزر القمر. وقد اتهمته الولايات المتحدة بالضلوع في تفجيرات نيروبي ودار السلام، ويُعتقد أنه كان موجوداً أثناء الحرب الأهلية بالصومال عام 2006. وضعته الولايات المتحدة على قائمة أخطر المطلوبين، وهو معروف بقدراته العالية بالتزوير وبصناعة المتفجرات، وهو يتنقل بين الصومال وكينيا وجزر القمر.
  • مقاتلون اسلاميون في الصومال (فيصل عمر ــ رويترز)

    مقاتلون اسلاميون في الصومال (فيصل عمر ــ رويترز)