نيويورك ــ نزار عبودمثّل إنقاذ السلطة الفلسطينية لإسرائيل من ورطة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون، صدمة قاسية لكلّ المناصرين والداعمين للقضية الفلسطينية. وعَدَّ كثيرون في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، التي تدور في فلك المنظمة الدولية، طلب تأجيل التصويت على التقرير، بمثابة «فضيحة» وتسويف سيترك مضاعفات سياسية مؤذية قد تدوم طويلاً.
وعن هذا الموضوع، قال أحد الدبلوماسيين في نيويورك إنّ «هناك أربعة آلاف منظمة أهلية (غير حكومية) ناشطة في محيط مجلس حقوق الإنسان تسعى إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها وكانت تنتظر إدانة رسمية تبني عليها». وأشار إلى أن هذه المنظمات والجمعيات «وجدت نفسها في موقف بالغ الحرج، إذ كيف ستتمكن من إقناع مناصريها بفكرة أنّ الفلسطينيين لم يعودوا مهتمين بأنفسهم؟».
ولفت دبلوماسي آخر مهتم بالشأن الفلسطيني، في حديث لـ«الأخبار»، إلى أنّ منظمة التحرير الفلسطينية «كانت الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لكنّها تحولت إلى مجرد مؤسسة سياسية تتطلّع إلى تأدية دور سياسي إقليمي ودولي مستعدّ للمساومة في بازار السياسة أملاً في الحصول على مقعد في مؤتمر قد يُعقد في موسكو في تاريخ غير معلوم».
حتى إنّ مراقباً آخر لم يُفاجَأ بموقف ممثلي السلطة الفلسطينية إزاء تقرير غولدستون، مذكّراً بتحريض مسؤولي السلطة للإسرائيليين على استخدام القوة ضد القطاع في مؤتمر أنابوليس في تشرين الأول 2007، ردّاً على السيطرة العسكرية لحركة «حماس» على القطاع.
ويوضح المراقب نفسه أنّه عندما بدأ الحصار الاقتصادي على غزة في العام نفسه، سعى مندوب فلسطين المراقب الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، في تشرين الثاني 2007، إلى استصدار قرار في الجمعية العامة يصف «حماس» بالتنظيم «الإرهابي الخارج على القانون»، ويعرب عن «القلق البالغ من قصف جنوب إسرائيل بالصواريخ». تصريح نفى منصور صحته قبل أن تكشف محاضر الجلسات في اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، واجتماعات المجموعة العربية الخاصة، دقّته.
وفي تلك المناسبة، برّر منصور عدم استشارة مندوبي مصر والسودان وليبيا وسوريا واليمن في الأمم المتحدة بشأن هذا القرار، بالقول إنه «استشار المجموعة الأوروبية». وعلى مدى العام الماضي، عملت الدبلوماسية الفلسطينية في نيويورك على إجهاض أيّ محاولة لإدانة إسرائيل ومحاسبة قادتها السياسيين والعسكريين على جرائمهم.
ثمّ تولّى الدبلوماسي المخضرم الأب ميغيل ديسكوتو بروكمان، وزير خارجية نيكاراغوا سابقاً، رئاسة الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة. ومنذ اليوم الأول لتولّيه مهمّاته، جعل اليساري بروكمان القضية الفلسطينية في مقدّمة اهتماماته، ورأى أنّ ما جرى ويجري في فلسطين «تمييز عنصريّ» و«محرقة» و«جرائم حرب من الدرجة الأولى». وظلّ الرجل يمثّل رأس الحربة في معارضة إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ويناصر القضية الفلسطينية خير مناصرة.

عجز بروكمان عن مساعدة فلسطين بسبب تعطيل «مندوب بعينه» لجهوده
ودعا المسؤول الأممي إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة في أوائل العام الجاري، لبحث الوضع الإنساني المأسوي في غزة، ما دام مجلس الأمن الدولي قد تقاعس عن ممارسة دوره في حفظ السلم والأمن الدوليّين، إلّا أنّ المجلس رفض إصدار أي بيان أو قرار حتّى، يطالب بوقف النار في غزة جراء تكبيل الدول الغربية الثلاث الدائمة العضوية لنشاطه. حينها، دعمت مجموعة من الدول الإسلامية والعربية، في مقدمتها إيران وسوريا وليبيا وكوبا ونيكاراغوا، مع كتلة عدم الانحياز ومجموعة السبع والسبعين، التي تضم الصين إلى جانب 130 دولة أخرى، مشروع قرار إندونيسياً يشجب جرائم إسرائيل، ويدعو إلى محاسبة مسؤوليها.
عندها، تحرّكت الدبلوماسية الفلسطينية سريعاً لتعطّل المشروع، وتلغي الفقرتين المؤثّرتين فيه. أما حجة مندوب فلسطين آنذاك، فلم تكن سوى «عدم تعطيل عملية التسوية في الشرق الأوسط».
هذا الوضع جعل الأب ديسكوتو بروكمان يشعر بغصّة رافقته حتى آخر ساعة من ولايته رئيساً للجمعية العامة. وهو قال في آخر ظهور علني له قبل أسبوع إن أصعب ما واجهه خلال رئاسته هو عدم القدرة على مساعدة فلسطين بسبب تعطيل «مندوب بعينه» لجهوده.
أمّا أحد مندوبي الدول الآسيوية الإسلامية فتساءل في دردشة مع «الأخبار»: «كيف يسعنا اتخاذ مواقف شديدة إذا كان مندوب فلسطين يطاردنا، ويتّهمنا بتعطيل جهوده الدبلوماسية إذا ما عارضنا مواقف المجموعة الأوروبية، وخصوصاً أنها مواقف لا تخرج عن سقف الموقف الأميركي؟».
ويختصر المندوب نفسه الوضع بالإشارة إلى أن «القضية الفلسطينية لا تزال تتعرّض لانتكاسات دبلوماسية متواصلة منذ اتفاق أوسلو 1993. فالدول الشرقية أكانت أوروبية أم آسيوية، ومعها دول أفريقية وأميركية لاتينية، وجدت نفسها في حِلّ من أمرها ما دام الفلسطينيّون يتحاورون مباشرةً بطريقة علنية مع عدوهم من دون الاستفادة من الدعم الدولي».