باريس ــ بسّام الطيارةتجتاح الصف السياسي الفرنسي «هستيريا فريدريك ميتران»، وزير الثقافة الآتي من اليسار، الذي يطالب اليمين المتطرف واليسار باستقالته ويسبّب إشكالات عديدة للأكثرية الرئاسية، وذلك بسبب كتاب له يروي فيه بصيغة المجهول علاقته مع غلمان في تايلاند وشراء خدمات جنسية.
وكان يمكن الكتاب، الذي صدر عام ٢٠٠٥، أن يندسّ تحت غبار المكتبات ويدخل طيّات النسيان، لولا اقتحام قضية المخرج السينمائي رومان بولانسكي الواجهة الإعلامية بعد القبض عليه في سويسرا ومطالبة السلطات الأميركية باسترداده لمحاكمته بتهمة اغتصاب قاصرة أميركية. فقد انبرى ميتران للدفاع عن السينمائي ووجد أن محاكمته «أمر فظيع»، ووضع توقيعه إلى جانب توقيع وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير لمطالبة السلطات السويسرية بالإفراج عنه، وهو ما استفزّ كثيرين في فرنسا التي تعيش منذ سنوات هاجس «خطف واستهداف الأطفال جنسياً».
وكان حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الذي يرأسه جان ماري لو بان، أول من طالب باستقالة ميتران من منصبه قبل أن يلحقه الحزب الاشتراكي على اعتبار أنه «يروج للسياحة الجنسية» في كتابه المذكور، وخصوصاً بعد الربط بين دفاعه باسم الجمهورية عن بولانسكي وهذا الكتاب.
وقد اعترف وزير الثقافة الفرنسي، فريدريك ميتران، بإنشاء علاقات «غرامية مدفوعة مع غلمان في تايلاند»، إلا أنه أكد «أنها كانت علاقات مقبولة بين راشدين». ورأى أن «المزج بين المثلية والانحراف الجنسي نحو الأطفال هو عودة إلى العصر الحجري». وذكر أن كتابه «يصف حياة عاطلة» وأن «من غير الممكن كتابة أدب بعواطف سطحية»، مضيفاً أن «حياته تشبه حياة كثيرين». وأكد أنه «لن يستقيل» لأن ما فعله «قد يكون خطأً، لكنه ليس بجريمة ولا حتى بذنب». وأيد عدد من السياسيين من المعارضة والأكثرية «موقف ميتران الشجاع»، ومنهم عمدة باريس الاشتراكي برتران دولانويه، وهو إلى جانب كثيرين ممن «يعترفون بمثليتهم» ولا يخفونها.
وجدد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ثقته بوزير ثقافته الذي يمثل حسب أكثر من مراقب «أفضل ضربة» للحزب الاشتراكي في مجال الانفتاح على المعارضة وتطبيق سياسة «فرق تسُد». وأهمية الوزير ميتران أنه «يحمل اسم الرئيس السابق» فرنسوا ميتران «أبو وحدة اليسار»، ما يمثّل ضربة إعلامية رابحة لساركوزي. إلا أن إقحام عامل شديد الحساسية «مثل الانحراف الجنسي وخطره على الأطفال» قبل أشهر من انتخابات المناطق، التي تعدّ «آخر تمرين قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة»، يمكن أن يكون دافعاً يقلب السحر على الساحر، وخصوصاً أن عدداً متزايداً من أكثرية الرئيس اليمينية يظهر انزعاجاً متزايداً من الأمر.
ويعترف أكثر من سياسي محافظ في الأكثرية «أنه لا يعرف ماذا يجيب عندما تسأله عائلات محافظة عن سبب وجود ميتران في الحكومة». ورغم وجود تغيير في نمط تفكير المجتمع الفرنسي تجاه المثليين، إلا أن التشديد على السياحة الجنسية في الحملة على ميتران نقلت القضية إلى ساحة «حماية العائلة»، وهي من الشعارات التي لا يزال اليمين يعتمد عليها بقوة في خطابه السياسي.
كذلك فإن بعض الأصوات بدأت تتصاعد بين الأكثرية والمعارضة تطالب بإمكان «استماع النواب للوزراء» قبل تثبيتهم في الوزارة وإطلاق مراسيم تسميتهم، كما يحصل في الولايات المتحدة وهو ما ينزع الكثير من صلاحيات الرئيس الفرنسي.
فهل يقبل ساركوزي بالتنازل عن بعض صلاحياته في تعيين وزراء يكونون أداة وقاعدة تثبيت حكمه؟ أم يطوي صفحة هذا الملف ويشكر وزير ثقافته ويدعوه للعودة إلى كتبه وبرامجه التلفزيونية وسفراته السياحية؟