تعاني الدبلوماسية الفرنسيّة من مأزق لا يمكن إخفاؤه، يتجلّى بتضارب مهمات المبعوثين الخاصين بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع المهمات والدور المنوط بوزارة الخارجية الفرنسية، وينعكس ارتباكاً في التعاطي مع الملفات الخارجية وتحديداً الشرق أوسطية منها
باريس ــ بسام الطيارة
رغم تأكيد وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، أن «خيوط الدبلوماسية الفرنسية لم تفلت من يديه»، إلا أن جميع المراقبين يعرفون أن الإليزيه «ممسك بقوة بخيوط علاقات فرنسا الخارجية»، وأن الرئيس نيكولا ساركوزي يعمد إلى «تفريع المهمات الدبلوماسيّة من تقنياتها»، وتسمية مبعوثين خاصين يختارهم على أساس العلاقات الشخصية التي تربطه بهم. ويذكر من هؤلاء لائحة مبعوثين تتضارب مهماتهم ومهمات وزارة الخارجية مثل ميشال روكار، المكلف ملف القطب الشمالي، وجاك لانغ للتعامل مع كوريا الشمالية. كذلك لم تعد زيارات الأمين العام لقصر الإليزيه كلود غيان والمستشار الدبلوماسي للرئيس جان دافيد ليفت، الوحيدة التي تسبق كل تحرك لكوشنير إلى منطقة الشرق الأوسط، بل باتت المبعوثة الخاصة للشرق الأوسط، فاليري هوفنبرغ، تسبق الجميع. وبرر غيان هذا التوجه بأن «بعض الزعماء يفضّلون التحدث إلى مقرّبين من الرئيس لإمرار رسائلهم».
ويزداد ارتباك الدبلوماسية الفرنسية في ما يتعلق بملف الشرق الأوسط، بما فيه الملف اللبناني، الذي وإن لم يعد «الحجر الأساس للعلاقات بين باريس ودول المنطقة»، فهو يضعهم على «مفترق حيرة» إزاء عدم المقدرة على التأثير والدفع قدماً في ملف تأليف الحكومة بعد ٤ أشهر على الانتخابات.
وعلمت «الأخبار» أن ساركوزي اتصل بالرئيس المصري حسني مبارك يوم السبت الماضي «للتداول في مجمل ملفات الشرق الأوسط إلى جانب العلاقات الثنائية»، بحسب مصدر في الإليزيه، وذلك إثر عودة هنري غينو من بيروت، التي زارها مبعوثاً خاصاً لساركوزي أيضاً، وهوفنبرغ التي تستعدّ لإجراء أول مؤتمر صحافي لها في الكي دورسيه.
من جهة أخرى، أكدت مصادر عديدة أن «الوزير كوشنير يستعد لجولة في المنطقة في نهاية الشهر»، ومن المرجح «أن يزور العواصم الخمس» في إشارة إلى بيروت ودمشق ورام الله والقاهرة وتل أبيب «مع احتمال ضئيل بأن يمرّ في عمان». إلا أن هذه التحركات الدبلوماسية لا تناقض «واقع الارتباك والحيرة وعدم القدرة». ويكفي الالتفات إلى «الحالة في القدس» وهي محط سؤال يومي لوزارة الخارجية، التي يختبئ الناطقون باسمها وراء «لغة خشبية باتت مملّة»، كما يقول أكثر من صحافي في باريس، هرباً من الإجابة. فالناطق الرسمي الجديد لوزارة الخارجية، المخضرم برنار فاليرو، يكرر «أنتم تعرفون موقفنا»، رافضاً الذهاب أبعد من «دعوة الأطراف إلى الامتناع عن كل تصرف استفزازي للمحافظة على حظوظ الحوار». وحين يُسأل عن مصير مهمة المبعوث الأميركي جورج ميتشل، التي يعرقلها التعنّت الإسرائيلي ورفض وقف الاستيطان، يجيب متجاوزاً الموقف الإسرائيلي بضرورة «عدم انتقاد ميتشل»، ومكتفياً بإعادة التذكير بضرورة أن «يكون البحث في مصير القدس ضمن إطار التفاوض بين الأطراف»، متجاوزاً أيضاً إعلان البدء ببناء مستوطنات جديدة تفصل القدس عن الضفة الغربية. وأكد مصدر فرنسي مطّلع لـ«الأخبار»، اشترط عدم ذكر اسمه، أن «الاستيطان قد زادت وتيرته زيادة فظيعة»، إلا أنه أشار إلى أن الدبلوماسية الفرنسية واثقة من أن «الاستيطان ما هو إلا ورقة مساومة لتقابل مسألة عودة اللاجئين».
وفي ما يتعلق بالتواصل الجغرافي الذي يمنعه الاستيطان، تحدث المصدر عن إمكان «تبادل أراضٍ» ولم يستبعد تبادلاً «سكانياً». وأوضح أن «الهوية اليهودية للدولة الإسرائيلية مسألة لا تمثّل إزعاجاً لفرنسا بسبب الطابع المزدوج لليهودية كدين وقومية»، واستدرك قائلاً «شرط حفظ حقوق المساواة في المواطنة للمواطنين الآخرين» في إشارة إلى فلسطينيّي 48.
أما الحديث عن الدعوة إلى مؤتمر دولي في باريس فقد طواه الزمن، وخصوصاً أن فرنسا شددت أكثر من مرة على أن «من شروط عقد أي مؤتمر هو وقف الاستيطان». وهو ما يراه أحد الدبلوماسيين العرب في باريس «خدمة لإسرائيل لا تقدّر بثمن»، ذلك أنه بمثابة وضع «مفتاح الحل والتفاوض في يد المستوطنين».
وفي إطار «الخدمات» لإسرائيل، وجّهت سكرتيرة الحزب الشيوعي النائبة ماري جورج بوفيه رسالة لكوشنير، تطلب منه تبرير موقف فرنسا التي عارضت قراراً خلال الدورة ٢٦ للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في ٢٦ آب الماضي، يطالب «إسرائيل بفتح كل منشآتها لإشراف الوكالة المدنية والتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية»، بينما فرنسا تدعو دائماً إلى احترام هذه المعاهدة. وذكّرت بوفيه الوزير بأن «هذه المسألة هي في لبّ شروط تحقيق السلام في الشرق الأوسط».