نيويورك ــ نزار عبودبرز التناقض الكبير بين تطبيق العدالة والمساومة السياسية خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، التي عقدت أمس لمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط، ومن ضمنها تقرير لجنة غولدستون. وتمحورت كلمات 44 من الوزراء والمندوبين حول التقرير والخطوات اللاحقة لتطبيقه أو لعرقلته، كلّ حسب رؤيته.
وفيما جدّد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، دعوته للأطراف المعنيين إلى إجراء تحقيقات داخلية مستقلة موثوق بها، تتعلق بالسلوك الذي اتّبع في مجرى الحرب، لم يدعُ مجلس الأمن إلى أن يتحمل مسؤولياته، واكتفى بمطالبة المجلس بـ«تحقيق توافق على أسلوب التعاطي مع هذه المسألة المهمة».
أما وكيل الأمين العام للشؤون السياسية، لين باسكوا، فأوضح أن تأجيل مناقشة تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أثار غضباً شديداً في الشارع الفلسطيني، وأدى إلى «توجيه تحريض ضد الرئيس (الفلسطيني) محمود عباس من قادة حماس».
بدوره، تحدث وزير خارجية السلطة الفلسطينية، رياض المالكي، عن ضرورة المتابعة الجدية لتطبيق التقرير على كل المستويات. وتناول الخطوات التي اتّبعتها السلطة الفلسطينية منذ اندلاع العدوان. وأوضح أن «مجلس حقوق الإنسان سوف يعقد دورة خاصة تبدأ غداً (اليوم) لتصحيح الخلل الذي وقع قبل أسبوعين في جنيف»، وطالب مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته لإحقاق العدالة بالنسبة إلى شعب يرزح تحت الاحتلال.
موسكو تطلب إبقاء التقرير في مجلس حقوق الإنسان
وطالبت منظمة المؤتمر الإسلامي، في كلمة ألقاها مندوب سوريا الدائم في الامم المتحدة بشار الجعفري، بتكثيف جهود المجتمع الدولي لتحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط. ورأى أن أهم ما جاء في تقرير غولدستون هو إبراز البعد التاريخي للصراع المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي. كما أنه «يؤكد هواجس المجتمع الدولي من أن الانتهاكات الإسرائيلية بلغت حد جرائم الحرب وربما جرائم ضد الإنسانية، ومن ضمنها القتل عمداً، والهجوم المقصود على أهداف مدنية، والتدمير الطائش لممتلكات السكان، والهجمات من دون تمييز، واستخدام المدنيين دروعاً بشرية، والعقاب الجماعي بحق سكان غزة المدنيين على شكل مواصلة الحصار».
وأضاف الجعفري إن التقرير ليس موجهاً إلى مجلس حقوق الإنسان وحسب، بل يطلب أيضاً من مجلس الأمن الدولي تحمل مسؤولياته كما جاء في الفقرة 1969. ولذلك فإنه «يتعين على المجلس أن يتحمل المسؤولية المكفولة في ميثاق الأمم المتحدة، ويتّخذ كل الإجراءات اللازمة لجلب مرتكبي الجرائم الإسرائيليين للعدالة، ويضع حداً لذهنية الحصانة الإسرائيلية».
وفنّد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الرحمن شلقم، المزاعم الإسرائيلية المشككة في نزاهة وحيادية معدّي التقرير. وتحدث عن أن المشكلة الرئيسية هي الاحتلال. وأخذ على مجلس الأمن إخفاقه في تحمّل المسؤولية ووقف الحصار وتدهور الوضع في غزة. وطالب بمحاسبة مرتكبي الجرائم وتعويض ذوي الضحايا.
من جهته، ندّد نائب المندوب الروسي قسطنطين دولغوف بكل أعمال العنف التي ارتُكبت في غزة. ورأى أن تقرير غولدستون وثيقة لا بد من معالجتها «في إطار مجلس حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني». وطالب بإجراء تحقيق بما ورد في التقرير، والإسراع في الخروج من حال الحصار المفروض على غزة.
وجدد نائب مندوبة الولايات المتحدة، أليخاندرو وولف، رفض فكرة بحث تقرير غولدستون في مجلس الأمن. ورأى أنه متحيز ضد إسرائيل، لكن بلاده «تأخذ ما جاء فيه على محمل الجدية». ودعا المؤسسات الإسرائيلية إلى إجراء تحقيق. ودعا إلى دعم السلطة الفلسطينية سياسياً ومالياً لأداء دور سلمي.
وفي مقابل المواقف العربية والإسلامية المؤيدة لتقرير غولدستون، سخرت مندوبة الدولة العبرية، غابريلا شاليف، من مجلس حقوق الإنسان واتهمته بـ«منح الإرهابيين مكافأة». ووصفت التقرير بأنه «متحيز ويحرم إسرائيل حق الدفاع عن النفس»، في الوقت الذي كثفت الدولة العبرية من نشاطها الدبلوماسي بهدف إحباط تبني التقرير في مجلس حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، أجرى وزير الدفاع ايهود باراك، اتصالات هاتفية مع مسؤولين في كل أنحاء العالم بما فيها الدول الأوروبية، ومن بينهم وزراء الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، والبريطاني ديفيد ميليباند والإسباني ميغيل موراتينوس، والنرويجي جونس غار ستور.
ودعا باراك المسؤولين الى معارضة تبني التقرير الذي سيطرح للتصويت في مجلس حقوق الانسان. ووصف باراك التقرير بأنه «كاذب، ومشوّه ونمطي ويشجّع على الإرهاب». وأكد أن تبني التقرير سيمثّل دعماً للمنظمات الإرهابية في أنحاء العالم.