سادت الإيجابية المتبادلة أجواء نجاح وصول «رسل السلام» الأكراد إلى الأراضي التركية. أفرجت أنقرة عن الرسل الـ 34، وتستعد لاستقبال العشرات غيرهم، آملة أن تسهم هذه المبادرات في إمرار خطتها الكردية في البرلمان قريباً
قابلت السلطات القضائية التركية، ومن خلفها السياسية، أمس، مبادرة حزب العمال الكردستاني بتسليم «مجموعة سلام» من مقاتليه وأعضائه إلى أنقرة، بأفضل منها. فلم تدم زيارة الكردستانيين الـ 34 (8 مقاتلين من جبال قنديل، والآخرون أكراد مقيمون في أوروبا وفي مخيم المخمور للاجئين التابع للأمم المتحدة في شمال العراق) إلى مقارّ الشرطة والقضاء التركيّين، أكثر من ساعات قليلة، بما أنه أُفرج عنهم جميعاً على مرحلتين. إيجابية متبادلة بدا أنّ حزب عبد الله أوجلان قرّر مواصلتها من جهته، من خلال إرسال مجموعة أخرى قريباً، ستتألف من 150 كردستانياً سيعبرون الحدود العراقية ليسلّموا أنفسهم إلى السلطات التركية على غرار ما فعله رفاقهم، أول من أمس.
وظهر بوضوح أنّ خلف الإفراج عن جميع أعضاء «مجموعة السلام»، قراراً سياسياً «إيجابياً» من خلال الطريقة التي جرت بها الأمور؛ ففي البداية، وبعد إجراء التحقيقات والاستجوابات مع العناصر الـ34، أُفرج عن 29 منهم لكونهم غير متّهمين بشنّ هجمات ضدّ تركيا. وقرّر الادعاء العام التركي إحالة العناصر الخمسة الآخرين على المحاكمة، لأن 3 منهم متهمون بارتكاب أعمال إرهابية، والاثنين الباقيين منتميان إلى تنظيم غير مشروع. وبعد ساعات قليلة على إعلان القرار القضائي، عاد المدعي العام وأمر بإخلاء سبيلهم بعد الظهر «إذ أخذ القضاة عودتهم طوعاً في الاعتبار»، بحسب مصدر قضائي محلي.
قرار تلا خطاباً ألقاه رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان أمام برلمان بلاده، وصف فيه عودة هذه المجموعة بـ «الإيجابي»، داعياً المقاتلين إلى الاستسلام. وقال «ليعودوا إلى بلادهم»، رافضاً في الوقت نفسه أي حوار مع حزب العمال الكردستاني.
بدوره، كشف وزير الداخلية بشير أتالاي أنه يتوقع «وصول مجموعات صغيرة جديدة في مرحلة أولى من 150 شخصاً». وأشار إلى أن عملية «العودة إلى الديار» تندرج ضمن إطار مشروع إصلاحات حكومته لمصلحة الأكراد، أُطلق عليها اسم «الانفتاح الديموقراطي»، متوقعاً أن تسهم هذه التطورات في تفكيك حزب العمال الكردستاني وتسليم أسلحته.
وفيما دعا أتالاي المقاتلين إلى إلقاء سلاحهم لأن «العملية التي نطلق عليها اسم الانفتاح الديموقراطي ستتأثر ما لم يفعلوا ذلك»، فقد شدّد أحد القادة العسكريين لـ«الكردستاني»، جميل بايك، من مقره في كردستان العراق، أن عناصره «لن ينزلوا من الجبل ما دامت تركيا لم تغيّر سياستها الهادفة إلى القضاء على الأكراد».
وبالنسبة إلى مصير المقاتلين والعناصر المدنيين الـ 34، فقد أعلنت وكالة «فراتنيوز»، المتحدثة باسم حزب «آبو»، أن المجموعة تحمل رسالة إلى السلطات التركية تتضمن 9 مطالب، أبرزها إقرار «خريطة طريق» أوجلان للسلام، وإعطاء الحقوق السياسية والثقافية للأكراد، ووضع حد للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش على حزبهم. ويرى البعض أنّ إشارات التعاطي التركي الحكومي الإيجابي مع القضية الكردية حالياً، تظهر بوضوح من خلال مقارنة السلوك الذي قُوبل به عناصر «مجموعة السلام» في اليومين الماضيين، وذاك الذي جرى التعامل به مع نظرائهم عام 1999. حينها توجّه فريقا سلام أكراد إلى تركيا بمبادرة سلام مشابهة بأمر من أوجلان أيضاً. إلّا أن السلطات التركية لم تفعل سوى اعتقالهم وإصدار الأحكام القاسية بحقهم، من دون أي مراعاة للهدف الذي سلّموا أنفسهم في سبيله.
(الأخبار)