ازدياد نقمة القاعدة الشعبية... ومخاوف من تصاعد اليمين المتطرفباريس ــ بسّام الطيارة
يقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في منتصف ولايته ويبدو الأفق محمّلاً بغيوم أزمات داخلية قد ترافقه حتى نهاية ولايته في عام ٢٠١٢. إلا أن المقربين من قاطن الإليزيه يرددون بأنه «لا يزال لديه في جعبته الكثير من الأدوات» لتجاوز العقبات وكل ما يعترض طريق تنفيذ «ما انتخب من أجله»، رغم تراجع مستوى شعبيته تراجعاً مخيفاً.
ويرى البعض أن النصائح لم تعد تصل إلى آذان الرئيس بسبب «طريقة حكم ساركوزي السلطوية» التي لا تقبل بأي «نقد أو اعتراض أو حتى مشورة»، والتي ملأت محيطه القريب بالفراغ إلا من المقربين أمثال الأمين العام للقصر الجمهوري كلود غيان، إلى جانب عدد محصور جداً من المحللين. أما نواب حزبه الأكثري وحلفاؤه السياسيون فقد باتوا يمتنعون عن «نقل ما تقوله قواعدهم الشعبية» خوفاً من «ردة فعل عصبية» تستبعدهم عن مراكز القرار والمشاركة، ولو الصورية، في آليات وضع الخطوط السياسية العريضة للعهد. وأمام هذا الواقع، لم تتردد صحيفة «لوموند» في نشر تحليل لها تحت عنوان «من يستطيع أن يقول لا للرئيس؟».
ولا تخلو ساحة الحكم الساركوزي من المواضيع والملفات التي تثير وتستفز قاعدته الشعبية قبل خصومه السياسيين. وبالطبع فإن الأزمة الاقتصادية هي في طليعة مسببات تراجع شعبية الرئيس، ناهيك عن ملفات التعليم والجامعات العالقة منذ أكثر من سنة، وعودة العنف في المدن. إلا أن «استفزاز قاعدته الشعبية اليمينية» جاء ليزيد من «قلق نواب اليمين» من الانعزال عن القاعدة والذهاب عكس التيار الشعبي. إذ إنه في ظل غرق الحزب الاشتراكي في نزاعاته الداخلية وركاكة تماسك اليسار عموماً، يفتح الباب واسعاً أمام اليمين المتطرف ليحتل هذا الفراغ. والواقع أن الجبهة الوطنية التي يترأسها جان ماري لوبان كانت وراء إطلاق «فضيحة وزير الثقافة» فرديريك ميتران واستحضار كتاب له يصف علاقته الجنسية السابقة مع غلمان وشراءه اللذة في البلاد الفقيرة، وهي الفضيحة التي لا تزال تتفاعل، وخصوصاً لدى الطبقات المحافظة اليمينية، وسط انشقاق شمل أيضاً اليسار.
نواب حزبه يمتنعون عن نقل ما تقوله قواعدهم خوفاً من «ردة فعل عصبية»
وجاء خبر «ترشيح ابن الرئيس» جان ساركوزي لمنصب رئيس هيئة تطوير منطقة «لاديفنس» في غرب باري «ايباد»، ليثير موجة استياء شديدة في صفوف كلٍ من المعارضة واليمين لما وصفه البعض بأنه «توريث سياسي» بغيض ومحاباة تذكّر بزمن الإقطاعية. إذ إن الابن الأصغر لساركوزي لم يتجاوز الثالثة والعشرين، ولا يزال في السنة الجامعية الثانية في كلية الحقوق.
وكان جان، الذي يشبه والده إلى حد كبير، وله طلاقة لسان، قد «ترشح» قبل سنتين لانتخابات المجلس العام في دائرة «نيويي سور سين» القريبة من باريس قبل أن «يختاره» زملاؤه ليصبح «زعيم» الغالبية اليمينية في الدائرة، ما «فتح أمامه الباب» لتبوّء رئاسة هيئة التنظيم المدني في المنطقة التي تقاس ميزانياتها بمليارات اليوروات.
ورغم أن «الحرس المقرب» من ساركوزي حاول الدفاع عن هذا «الخيار» على اعتبار أن «ابن الرئيس لا يملك حقوقاً أقل من الآخرين»، وأن العملية هي انتخابية، علماً بأن تسعة أصوات من بين ثمانية عشر صوتاً هي لموظفين كبار في الدولة يكون صوتهم موحداً على نحو يضمن سيطرة الدولة على توجّهات الهيئة، بينما تتقاسم المعارضة واليمين الأصوات الباقية ما يؤمّن لابن الرئيس انتخاباً مريحاً.
ودافع جان ساركوزي عن نفسه بسؤال «هل أنا غير شرعي لأني أحمل هذا الاسم؟» فجاءه الرد بشكل عريضة على الإنترنت تطالبه بـ«تكملة دراسته». واقترح بعض «حراس الساركوزية» أن تترك حرية التصويت لممثلي الدولة شرط أن يكون تصويتاً سرياً، بينما تقترح بعض أصوات المعارضة امتناع ممثلي الحكومة عن التصويت على أساس أن «اليمين السياسي يمكن أن يعارض التوريث».
والواقع أن هذا الفصل الجديد في العهد الساركوزي سيترك ندباً عميقاً في الرأي العام الفرنسي، إذ إنه يناقض أحد أكثر المبادئ التي يفاخر بها الفرنسيون وهي «الفوز بالجدارة»، وهو أمر لا يمكن إنكاره لساركوزي الأب الذي شق طريقه بنفسه وبقوة عمله، وهو ليس حال ساركوزي الابن الذي وصفت صحيفة «ريبوبليك دي بيرينه» مسيرته بقولها «إن المستقبل أمامه ووالده وراءه».