منذ استقلالها في عام 1949، تحاول باكستان معالجة التوتر مع جارتها إيران الناجم عن التداخل العرقي والطائفي، رغم الحرب السريّة الدائرة بينهما
معمر عطوي
لا يمكن دولةً مثل باكستان، مُثقلة بأعباء الحرب مع عناصر حركة «طالبان» على حدودها الشمالية وصعوبات الأزمة مع الهند، فتح أي جبهة على حدودها الغربية، مع إيران، بسبب ما يجري في إقليم سيستان بلوشستان من اضطرابات تستهدف زعزعة استقرار النظام الإسلامي. فبعد الهجوم الذي استهدف لقاءً عشائرياً برعاية الحرس الثوري الإيراني، في 18 تشرين 1 الجاري، بدا موقف إسلام آباد متعاوناً ومهادناً مع طهران، التي طالبت الأولى بتسليم متورطين في الهجوم، أبرزهم زعيم جماعة «جند الله»، عبد المالك ريغي.
هذه السياسة السلمية، عبّرت عنها باكستان، في صيف العام الماضي، من خلال تسليم إيران شقيق زعيم «جند الله»، عبد الحميد ريغي، الذي أقرّ بأن جماعته موالية لتنظيم «القاعدة»، الذي تحاربه إسلام آباد بدورها.
ومن خلال مطالعة تاريخية لمسيرة العلاقات بين باكستان وإيران، بدا أن البلدين لم يخوضا في العصر الحديث أي مواجهة مسلّحة مباشرة كجيش في وجه جيش، رغم الحرب الاستخبارية بينهما، التي توظف فيها إيران عناصر شيعية من داخل باكستان، فيما تلعب الثانية ورقة البلوش السنة في سيستان بلوشستان.
تاريخ طويل من الروابط والتأثيرات المُتبادلة ثقافياً واجتماعياً ودينياً حكم العلاقات بين البلدين. علاقات لا تزال مدفوعة بالتطلعات الجيو سياسية والانتماءات الدينية. لعلّ البداية توضح طبيعة هذه العلاقة، إذ كانت طهران أول بلد يعترف باستقلال باكستان في عام 1947. ففي حقبة حكم الشاهنشاهية، كانت الدولة الفارسية وباكستان تمثّلان مع تركيا حلفاً يسمى «منظمة المعاهدة المركزية» أو ما كان يعرف بحلف بغداد. حلف أسّسته الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي، لمقارعة النفوذ السوفياتي في المنطقة.
وترسّخت الروابط بين البلدين، حين دعمت طهران إسلام آباد، في طموحاتها النووية العسكرية، في مواجهة تجربة الهند النووية في عام 1974. ورغم العلاقات الوطيدة بين إسلام آباد وطهران في عهد الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، كانت باكستان من بين الدول الأولى التي اعترفت بالحكومة الإيرانية الإسلامية بعد ثورة عام 1979. وحاولت إسلام آباد تعزيز الروابط مع طهران، رغم انسحاب الأخيرة من حلف بغداد، وعدائها للولايات المتحدة والغرب، فيما اتّفق الطرفان منذ عام 1980 على دعم المجاهدين ضد الغزو السوفياتي لأفغانستان.
لكن الحرب الأهلية الأفغانية (1991-2001)، ساهمت في توتير العلاقات بين البلدين. وبرز حرب النفوذ بين باكستان وإيران، حين امتد نشاط الأولى إلى مناطق جنوب أفغانستان وشرقها، حيث يغلب العنصر البشتوني، فيما اهتمت الثانية بشمال أفغانستان وغربها، وخصوصاً المناطق التي تتكلم الفارسية الدارية، وهي اللغة التي يتحدث بها معظم سكان إيران.
توترات غذّت التشنجات المذهبية الراكدة تحت الرماد، بين تنظيمات من السنة وأخرى من الشيعة في باكستان. وساءت الأمور أكثر مع تهديدات إيران بمحاربة نظام «طالبان». بيد أن نهاية نظام «طالبان» في عام 2002، وإن ساهمت في عودة العلاقات السياسية إلى مجاريها، غير أن ذلك ظلّ نسبياً بفعل تماهي الأكثرية السنية في باكستان مع السعودية في منافسة شديدة مع إيران. تماهٍ ترجمته بعض الحركات المتطرفة، تفجيرات ضد مساجد وحسينيات ومتاجر للشيعة في باكستان، أدى إلى ردود فعل عكسية زادت من خطورة الصراع المذهبي.
هذا الوضع دفع بعض المسؤولين الإيرانيين إلى اتّهام إسلام آباد بأنها تحاول تغيير الخريطة الديموغرافية في المناطق الشمالية؛ باكستان تضم مجموعات شيعية كبيرة يصل امتدادها إلى حدود الصين شمالاً والبنجاب جنوباً.
لكن الخلافات السياسية وإثارة البعدين المذهبي والقومي، لم يؤثّرا على الروابط الاقتصادية والتبادل التجاري، الذي وصل حجمه في العام الجاري إلى 2.31 مليار جنيه استرليني، وخصوصاً أن باكستان تشتري من إيران الكهرباء والغاز والوقود.
ربما تؤكد الصلة المشتبه فيها بين «جند الله»، الذي يطالب الحكومة الإيرانية بـ«حقوق السنة والأقلية البلوشية»، وبين جهات استخبارية باكستانية، تورط إسلام آباد في مخطط مشترك مع الرياض بتوجيه من واشنطن، لزعزعة استقرار إيران عبر الخاصرة المذهبية التي تؤلمها، الأمر الذي ترد عليه طهران بدعم أطراف شيعية لدى جارتها النووية.
بيد أن سلامة العلاقات بين البلدين، قد تبقى رهناً بتحسين وضع إقليم سيستان بلوشستان، حيث يتداخل عامل محاربة التهريب مع التمييز العرقي والحساسيات المذهبية.