ديما شريفمنذ بدء الأزمة المالية العالمية، تُزيّن صور كارل ماركس أغلفة المجلات والصحف المختلفة، مع استعادة لأبرز ما قاله هذا الفيلسوف ووصف فيه الرأسمالية وأزماتها. ولم يكن مستغرباً أن يتصدّر وجهه صفحات أعتى الدوريات الأميركية يمينية. لكن أن يُنشَر مقال مؤيد لأفكاره في صحيفتين في الفاتيكان، فذلك ما يدعو إلى التعجب. فقد نشرت مجلة «الحضارة الكاثوليكية»، التي تشرف عليها مباشرة وزارة الخارجية الفاتيكانية، مقالاً في الخامس عشر من الشهر الجاري للأستاذ المحاضر في «الجامعة الغريغورية الحبرية» في روما، البروفيسور الألماني جورج سانز، تحت عنوان «ما بقي من ماركس بعد سقوط جدار برلين».
ويرى سانز أنّ نقد ماركس للرأسمالية ألقى الضوء على «العزلة الاجتماعية التي عاشها جزء كبير من البشر بقي خارج دائرة صنع القرار السياسي والاقتصادي حتى يومنا هذا». ويضيف أنّ كتابات ماركس تبقى صالحة حتى اليوم في الوقت نفسه الذي تبحث فيه البشرية عن مخرج من مشكلة عدم التناسق والتناغم بين حاجاتها والبيئة الطبيعية، كذلك يمكن نظرياته أن تُسهم في تفسير مسألة التفاوت الكبير في الدخل في المجتمعات الرأسمالية.
ويقول أستاذ تاريخ الفلسفة الحديثة إنّه «يجب علينا أن نتساءل مع ماركس عن أصول العزلة التي تحدّث عنها وعلاقتها بالنظام الرأسمالي»، طارحاً علامة استفهام عن سبب تراكم المال في أيدي القلة وكيفية تفسير ذلك. ورأى سانز أنّ مسألة الفائض المالي التي تناولها ماركس لا تزال فاعلة حتى اليوم ولم تفقد أهميتها، رغم «الضرر الكبير الذي ألحقته الماركسية بماركس الفيلسوف». وبعد أيام على صدور «الحضارة الكاثوليكية»، أُعيد نشر المقال في جريدة الفاتيكان «المرصد الروماني»، ما يشي برضى بابوي عن المقال، رغم أنّ البابا الحالي، بنيديكتوس السادس عشر، رأى منذ سنتين أنّ الماركسية هي من أبرز ويلات القرن العشرين. هذا الانفتاح على ماركس يأتي بعد قرن من العداء الشرس تجاه صاحب «رأس المال» من الفاتيكان، لينضم إلى آخرين «صفحت» عنهم السلطة البابوية أخيراً. إذ نصب العام الماضي في ساحة الفاتيكان تمثالاً للعالم والفيلسوف غاليليو في خطوة عُدّت اعتذاراً عن محاكمته عام 1633 عندما اكتشف أنّ الأرض دائرية وتدور حول الشمس. كذلك أعلن أحد مسؤولي الدولة في شباط الماضي أنّ نظرية تشارلز داروين للنشوء والارتقاء تتوافق مع الإيمان المسيحي، فيما أشادت «المرصد الروماني» في تموز الماضي بالكاتب المسرحي المثلي أوسكار وايلد الذي حاربته مراراً، مشيرة إلى أنّه «تساءل عن الحق والخطأ وراء قناع من اللاأخلاقية».