قمة أوروبية اليوم لن تختار رئيساً ولا وزير خارجيةحبيب إلياس
يعدّ الرئيس التشيكي، فاتسلاف كلاوس، معارضاً شرساً لمعاهدة لشبونة، التي تهدف في رأيه إلى «تحويل أوروبا إلى دولة واحدة تتجاوز صلاحياتها صلاحيات أيّ من الدول الأعضاء»، فكان من أشد المعارضين لها، واضعاً العقبة تلو الأخرى في وجهها، وآخرها اشتراطه، في الثامن من تشرين الأول، لتوقيعها أن تعفى بلاده من تطبيق شرعة الحقوق الأوروبية الأساسية الملحقة بالمعاهدة المذكورة.
ويهدف هذا الإعفاء إلى منع التشيكيين من أصل ألماني في منطقة السوديت، الذين صودرت أراضيهم غداة الحرب العالمية الثانية في عام 1945 بموجب مراسيم وقعها آنذاك الرئيس التشيكوسلوفاكي إدوارد بينيس وعرفت بـ«مراسيم بينيس»، من اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية للمطالبة بتعويضات، أو حتى العودة إلى أراضيهم.
هذه المراسيم وضعت أساساً لإضفاء الشرعية على مصادرة الممتلكات، وترحيل ما لا يقل عن 2.5 مليون ألماني. «تطهير عرقي» واسع النطاق، في هذه الصفحة المنسية من تاريخ أوروبا، نظراً إلى تغطية أحداث المحرقة التي حصلت بالتزامن معها عليها.
ويحظى كلاوس، في مطالبته هذه، بدعم المحافظين، فيما لا يزال حزب الديموقراطيين الاشتراكيين المعارض، المنتقد لقرارات الرئيس، صامتاً على غير عادة. أما حكومة يان فيشر، فقد أعلنت تأييدها من حيث المبدأ تسريع عملية التصديق. ومجلسا النواب والشيوخ في تشيكيا صدّقا على الاتفاقية، غير أن دخولها حيّز التنفيذ وفقاً للدستور لن يحصل إلا بعد قيام رئيس الجمهورية بالتصديق عليها باعتبارها وثيقة دولية.
ولكن على الرغم من التخوّف الذي يبديه الرئيس التشيكي، يبقى أن المناورة التشيكية في هذا المجال من دون أساس قانوني. فعند النظر إلى بنود الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، الذي يستعمل فزاعة، فإنه في أي حال من الأحوال لا يطبّق على ما حدث في عام 1945.
إلى جانب ذلك، هناك الجانب الشخصي للرئيس التشيكي، الذي يؤثر على قراره المرتقب. فكلاوس (68 عاماً)، الخبير الاقتصادي، يُعدّ آخر «دكتور لا» أوروبي، كما وصفته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية. انتخب في عام 2003، قبل سنة من دخول الجمهورية التشيكية إلى الاتحاد الأوروبي. هو رجل ليبرالي إلى أقصى الحدود، يرى أن الأزمة المالية العالمية حصلت بسبب الإفراط في القوانين المفروضة على السوق، كما يتشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي، الذي يدين ميوله «الاشتراكية»، ويعدّه «عجزاً ديموقراطيّاً وانحرافاً للفدرالية».
ويرى الدكتور جيري بيهي، من جامعة براغ، أن «كلاوس يفضّل أن يكون سمكة كبيرة في بحيرة صغيرة، على أن يكون سمكة صغيرة في بحيرة كبيرة».
إلا أن بوادر حلحلة بدأت تظهر في الأفق مع إعلان الرئيس التشيكي أنه «في الوتيرة التي تجري فيها الأمور، بهذه السرعة، لم يعد من الممكن وقف المعاهدة أو التراجع عنها، على الرغم من أن بعضنا يرغب في ذلك». وكرر أنه لا يرى أن نص المعاهدة يخدم «الحرية في أوروبا»، لكن «دخوله حيّز التنفيذ لن يكون نهاية العالم».
وأضاف الرئيس التشيكي «لا أستطيع انتظار الانتخابات في بريطانيا»، غامزاً من قناة المحافظين البريطانيين المترددين أيضاً الذين يحتمل أن يفوزوا في الانتخابات ويطالبوا باستفتاء بشأن المعاهدة.
هذا الكلام دفع الاتحاد الأوروبي إلى طرح مبادرة حل قدمته الرئاسة السويدية للاتحاد، التي أشارت إلى أن ردة فعل الرئيس التشيكي كانت إيجابية، معتبراً أن الاقتراح يتلاقى مع توقعاته.
وعلى الرغم من أن اقتراح الرئاسة بقي سرياً، إلا أن التوقعات تصبّ في أن يكون استجابة لطلب كلاوس إعفاء بلاده من تطبيق شرعة الحقوق الأوروبية الأساسية الملحقة بمعاهدة لشبونة.
غير أن موافقة الاتحاد الأوروبي على الطلب التشيكي دفع بسلوفاكيا، على لسان وزير خارجيتها ميروسلاف لاجاك، إلى طلب معاملتها بالمثل، وخصوصاً أن الدولتين كانتا تؤلّفان في السابق دولة تشيكوسلوفاكيا وتتحملان معاً مسؤولية الأحداث التي حصلت في عام 1945.
ورغم أن الإيجابية التي أظهرها كلاوس جعلت الاتحاد الأوروبي يأمل قرب الحلحلة، غير أن قرار الرئيس التشيكي لم يعد كلياً بيده، إذ إن توقيعه على المعاهدة بات مرتبطاً بقرار المحكمة الدستورية، التي تنظر في شكوى تقدمت بها مجموعة نواب طالبوا بمراجعة نص المعاهدة، وذلك من أجل التأكد من تطابقه مع القوانين الأساسية الداخلية. وكان من المقرر أن تصدر المحكمة قرارها، أول من أمس، لكنه أرجئ إلى الثالث من الشهر المقبل.
هذا التأجيل وضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة أخرى، وخصوصاً أنه كان يأمل أن تدخل المعاهدة حيّز التنفيذ خلال قمته التي تبدأ اليوم، وبالتالي الشروع بملء منصبين لهما أهمية رمزية كبيرة هما رئيس الاتحاد الأوروبي و«وزير خارجيته». ويرى زعماء الاتحاد الأوروبي أن منصب وزير خارجية الاتحاد الجديد سيسهم أسهاماً كبيراً في توحيد مواقف أعضاء الاتحاد وتعزيز دوره العالمي.
ولكن بغياب التوقيع السابع والعشرين، فإن هذا الموعد سينتقل إلى القمة التالية في كانون الأول، على أحسن تقدير، وفقاً لدبلوماسيين، الأمر الذي من شأنه عرقلة العمل داخل الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن مهمة رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروزو، ستنتهي أواخر الشهر الجاري، إضافة إلى انتهاء تفويض المنسّق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنيّة للاتحاد، خافيير سولانا.


براون يروّج لـ«رئاسة بلير»(يو بي آي)