هاتوياما يسعى إلى «تكامل إقليمي»... وواشنطن ترفض بحث القواعد العسكريّةجمانة فرحات
بعد هيمنة اقتربت من نصف قرن للمحافظين الممثلين بالحزب الليبرالي الديموقراطي، حقق الحزب الديموقراطي الياباني، بقيادة يوكيو هاتوياما، فوزاً متوقّعاً في الانتخابات العامة الأخيرة، واستطاع الحصول على غالبية المقاعد البرلمانية التي تؤهّله لترؤس الحكومة المقبلة، ما فتح الباب واسعاً أمام تكهنات باحتمال تغيّر العلاقة مع واشنطن، بعد سلسلة من التصريحات والإشارات المتضاربة التي برزت على ألسنة قادة الحزب خلال الفترة الماضية.
ولمعرفة مدى التغيّر الذي يمكن أن يطرأ على علاقة البلدين، لا بد من إلقاء الضوء على الأسس التي بنيت عليها، والتي لا تزال تحكمها حتى الآن. ويرى البعض أن العلاقة بين طوكيو وواشنطن يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل أساسية؛ مرحلة الاحتلال التي امتدت ست سنوات، ابتداءً من منتصف آب عام 1945 حين أعلن إمبراطور اليابان السابق هيروهيتو استسلام اليابان، وما استتبعه ذلك من تغيّرات دفعت البرلمان الياباني إلى تبني دستور جديد عام 1946 بدفع أميركي، تحوّلت بموجبه اليايان إلى دولة ديموقراطية ولكن منزوعة السلاح. أما المرحلة الثانية، فتأطّرت خلال مرحلة استقلال اليابان، حيث جرى في الثامن من شهر أيلول 1951 توقيع اتفاقية سان فرانسيسكو، التي أنهت الاحتلال العسكري في معظمه. أما المرحلة الثالثة، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، فهي مرحلة التحالف بين البلدين، والتي انطلقت عام 1960 مع توقيعهما تحالفاً استراتيجياً في إطار «معاهدة التعاون المشترك والأمن». وفّر لليابان بموجب بنود المعاهدة، التي سمحت لأكثر من 47 ألف جندي أميركي بالبقاء على أراضيها. مظلّة ردع عسكرية ونووية وإن بكلفة باهظة بسبب المساهمة المرتفعة لليابان في تحمل نفقات العسكريين الأميركيين.
ولا يبدو أن الانتظار سيطول لمعرفة مدى إمكان حصول تحوّل جذري في العلاقة بين البلدين، إذ إن المساعدة اليابانية في أفغانستان، ووجود القوات الأميركية في أوكيناوا سيمثّلان أولى محطات الاختبار لاتجاهات العلاقة تحت إدارة الحزب الديموقراطي، وخصوصاً أن يوكيو هاتوياما، أعلن أنه لن يمدد في كانون الثاني المقبل مهمة البحرية اليابانية لتقديم الدعم اللوجستي إلى تحالف شمالي الأطلسي في أفغانستان.
رئيس الوزراء الجديد يريد تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي من بين فكّي أميركا والصين
وكان هاتوياما قد استبق نتائج الانتخابات وكتب مقالاً في صحيفة «نيويورك تايمز»، حمل عنوان «مسار جديد لليابان»، عبّر فيه بوضوح عن رغبته في تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي لليابان من بين فكّي «الولايات المتحدة التي تحارب للاحتفاظ بمكانتها كقوة عالمية مسيطرة»، و«الصين التي تبحث عن السبل لكي تسيطر». وأكد أنه لن يسعى إلى تغيير جذري في سياسة اليابان الخارجية، وأن التحالف بين البلدين سيظل حجر الزاوية في السياسة الدبلوماسية اليابانية، رغم دعوته إلى التكامل الإقليمي، وتحديداً في «منطقة شرق آسيا، التي تظهر حيوية متصاعدة ينبغي الاعتراف بها بوصفها منطقة الوجود الطبيعي لليابان».
يرى المحلّلون أن لهجة هاتوياما الانتقادية لبنود المعاهدة الأمنية مع واشنطن، خلال وجوده في صفوف المعارضة عندما دعا إلى إغلاق قاعدة فوتينا في جزيرة أوكيناوا، التي تثير خلافاً بين البلدين، لكونها تقع في منطقة مكتظة بالسكان، لن تبقى على حالها بعد الانتخابات. وأوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيهون، تومواكي ايواى، أن «الديموقراطيين لديهم مصلحة في الحفاظ على العلاقة بين اليابان والولايات المتحدة إلى حد كبير، لطمأنة المجتمع الدولي إلى أنه لن يكون هناك أي تحوّل جذري في ظل حكومة جديدة». كما أن هاتوياما لن يخاطر بخسارة حليف رئيسي، وسيركّز جهوده على محاولة الوفاء بوعوده الانتخابية الداخلية، ومحاولة إنعاش اقتصاد اليابان، الذي يعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
3 مراحل أساسية تحكم العلاقة التاريخيّة بين طوكيو وواشنطن
أما في ما يتعلق بالطرف الثاني في العلاقة أي الولايات المتحدة، فيبدو في غنى عن أيّ توترات مع اليابان، ولكنه لا يخشى تحولات جذرية. وقال قائد القوات الأميركية في الأرخبيل، الجنرال ادوارد رايس، إنه «قد تطرأ بعض التغييرات الثانوية، ولكن العوامل الأساسية للعلاقة قوية جداً حتى ستستمر».
الخشية الأميركية من تعديل السياسة اليابانية دفعت المتحدث باسم وزارة الخارجيّة، ايان كيلي، إلى تحديد الرغبات الأميركية من طوكيو، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستعمل «في تنسيق واسع مع الحكومة اليابانية الجديدة لإحراز تقدم نحو تفكيك المنشآت النووية في شبه الجزيرة الكورية، ولمواجهة خطر التبدل المناخي، وزيادة قدرات الطاقات المتجددة، وإرساء الاستقرار في أفغانستان وباكستان». كما أكد أن بلاده لن تتراجع عن الاتفاق بشأن القواعد الأميركية على الأراضي اليابانية.
ويظهر مما تقدم أن البلدين على دراية بوجود مصالح مشتركة بينهما، وخصوصاً اليابان المتيقّنة من أن الوجود العسكري الأميركي يمثّل أمراً حيوياً بالنسبة إليها في ظل التهديد النووي لكوريا الشمالية، والقوة العسكرية المتنامية للصين، وليست في وارد فقدانه، وإن كانت تسعى إلى سياسة خارجية أقل تأثراً بالولايات المتحدة، ومساهمة أكبر في الأمن العالمي.

ومن المتوقع أن يناقش غيتس مع نظيره الياباني المسار المقبل للتحالف الثنائي. وستسبق اللقاء زيارة لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ كورت كامبيل إلى طوكيو.
(يو بي آي)