10 سنوات على تولّي عميل الـ«كي جي بي» الحكمربى أبو عمو
تكتنف القسوة ملامح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. قسوة عرف كيف يترجمها في مواقفه السياسية، وحتى في بزّاته الرسمية، بعدما أجرت شبكة «سي إن إن» الأخبارية إحصاءً عن أسوأ رؤساء العالم من حيث الأناقة، احتلّ فيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المرتبة الأولى، تلاه الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ إيل، فيما كانت المرتبة الثالثة من نصيب بوتين. سمعة ليست في مصلحة رجل يُصرّ على صورته الاجتماعية. اختار التوفيق بين شراسته الرياضية والسياسية، متعمداً الظهور عاري الصدر خلال ممارسته رياضتي السباحة والصيد.
وإضافة إلى العري، استفاد بوتين من وصف مجلة «تايمز» الأميركية قيادته لروسيا في عام 2008 بأنها «القيادة الناجحة في فرض الاستقرار على أمّة لم تعرف الاستقرار لحقب طويلة، ونجحت في إعادة روسيا بوصفها قوة لها تأثيرها على الساحة الدولية».
عشر سنوات قضاها بوتين بين الكرملين والبيت الأبيض (الروسي). مدةٌ لم تزده إلّا سلطة. قبل عشر سنوات، افتتح بوتين ولايته بحرب في الشيشان، كان قد بدأها سلفه بوريس يلتسين. حرب كانت لها تتمة في وقت لاحق، أظهرته في صورة رجل وكالة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، التي خرج منها ولم يُخرجها منه. نهجٌ لم ينحصر فقط في سياسة «الحرب على الإرهاب»، بل تعداه إلى الداخل، لتغدو روسيا بلداً يشيد بديموقراطية لا يتبناها.
ويقول الكاتب بيتر زيهان إن «بوتين لم يكن بيروقراطياً أو تكنوقراطياً أو سياسياً، بل كان عميل كي جي بي. وكما أعلن بوتين نفسه، فإنه لا يوجد مثل ضابط الاستخبارات السابق. أمر مكّنه من تجسيد المؤسسات الاستخبارية المنقسمة لمصلحته، بعد دمجهما في صلب النظام الجديد. كذلك فإن معظم كبار موظفي الكرملين الحاليين الذين اختارهم بوتين من ضمن فريقه، كانوا غارقين في جهاز الأمن السوفياتي».
هذا الإرث الاستخباري قد يكون إحدى مميزات التاريخ الروسي؛ فيوري أندروبوف تولى رئاسة الـ«كي جي بي» قبل أن يصبح رئيساً للإمبراطورية السوفياتية. وستالين أيضاً، كان أشهر مَن استخدم أجهزة الاستخبارات. ويشرح الخبير في الملف الروسي إبراهيم إسماعيل، كيف أن بوتين خلق من بين الأجهزة الاستخبارية الأربعة، التي صنعها يلتسين بديلاً لـ«كي جي بي» (الجهاز الفدرالي للأمن الداخلي ومكافحة التجسس والأمن السياسي ومكافحة الإرهاب)، «مافيا بوتين»، وأمسك بمفاتيح هذه القوى، واستطاع في الوقت نفسه محاربة «المافيات» الكثيرة الموجودة في البلاد.
شخص بوتين أرّق الكثيرين. ورغم أن بعض المحللين حاولوا الحفاظ على مسافة من الانتقاد الحاد أو المديح المفرط، بدا آخرون أكثر حسماً. فالمحلّل السياسي يفغيني كيساليوف كتب في مقال لصحيفة «ذا موسكو تايمز»، كيف أن روسيا خسرت عشر سنوات من عمرها خلال حكم بوتين، بعدما عجزت عن الاستفادة من «الفرصة الذهبية» المتمثلة في ارتفاع أسعار النفط لتحديث البلاد سياسياً واقتصادياً. ومع اقتراب نهاية القرن الحادي والعشرين، لا تزال غارقة في القرن الماضي.
هذا الموقف تسانده آراء مماثلة رأت أنه كان يجب على بوتين استغلال هذه الأموال لتطوير الشقين الصناعي والزراعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي. أما الحديث عن تركيز الاتحاد الروسي على الصناعات العسكرية، فقد تصاعد في وقت متأخر، رغم أن بعض المقربين من السلطة الروسية يقولون إن ما تملكه روسيا من سلاح، يعادل قدرات الولايات المتحدة.
هذا داخلياً. أما في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب، وإعلان الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف، أي «سكرتير» بوتين، كما هو معروف في الأوساط السياسية الروسية، انتهاء الحرب في الشيشان والانتصار، فيبدو سابقاً لأوانه، في ظل ما تشهده منطقة جنوب روسيا من «عمليات إرهابية» يومية.
وإلى الخارج، تلاحق بوتين صفة «الرجل الذي أعاد روسيا إلى الساحة الدولية». لكن هل صار لروسيا كلمتها كما كان للاتحاد السوفياتي؟ المقارنة غير جائزة من حيث المبدأ. فأخطبوط الاتحاد انهار، وكان على روسيا أن تعيد بناء نفسها من جديد. تسلّم بوتين روسيا وهي في حالة انتقالية غير مستقرة، لا بل متخبطة. وأسهم ارتفاع أسعار النفط في رسم موقع جديد لروسيا، مكّنها من الوقوف في موقف الندّ مع الولايات المتحدة.
سعت واشنطن إلى تحجيم الدور الروسي، فاعتمدت سياسة جذب دول الاتحاد السوفياتي السابق، من خلال ضمّها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شماليّ الأطلسي. وذهبت أبعد من ذلك، راغبة في نشر درع صاروخية في كل من بولندا وتشيكيا. في المقابل، رفض بوتين الأحادية التي تحاول أميركا فرضها على العالم، فوقف في وجه ضم أوكرانيا وجورجيا إلى «الأطلسي»، ورفض كذلك نشر الدرع. وفي آب من عام 2008، خاض حرباً مع جورحيا كرّست الخطوط الحمراء الروسية.
وتدرك واشنطن مدى القدرة الكبيرة لروسيا على المناورة في الملف الإيراني والأفغاني والكوري الشمالي، إضافة إلى أوكرانيا وجورجيا وأوروبا، مستغلة كونها مورداً أساسياً للغاز لهذه الدول. إلاّ أن «الهالة» تطغى على الواقع، في إشارة إلى أن القدرة الروسية على الذهاب إلى النهاية في مواجهتها مع الولايات المتحدة قد تكون غير واقعيّة.
يقول أحد المتابعين للملف الروسي إنه بعد 10 سنوات، يمكن اعتبار بوتين «أخطر رجل عرفته روسيا». تعبير يصلح للتوصيف السلبي والايجابي. إلا أنه في الحالتين رجل فرض «هالة» موازية لتلك الروسية. وكما يقول إسماعيل: «إذا أتيحت له الفرصة، فسيفعل الكثير».

يؤخّر ولا يتأخر!ورغم التأخر، الجميع ينتظر بوتين بصبر ويكررون المثل الشعبي الروسي القائل: «الرؤساء لا يتأخرون، بل يؤخرون». وفي نيسان من عام 2001، قالت الصحف الروسية متهكمة إن بوتين «وصل إلى قداس عيد الفصح بعد مرور 10 دقائق على قيامة المسيح».
(الأخبار)