مرّت 34 عاماً على سقوط حكم الفاشية ورمزها الجنرال فرانكو في إسبانيا. 34 عاماً لم تكن كافية لتزول آثار الحقبة السوداء من الحياة السياسية في البلاد. وحقق اليمين الإسباني المتطرف، قبل يومين، انتصاراً كبيراً عندما بدأت محاكمة «القاضي النجم» في إسبانيا، بالتاسار غارزون، لأنه تجرّأ في تشرين الأول الماضي على بدء إجراءات دعوى قضائية ضدّ الـ«كوديلو»، أي مرتكبي «الجرائم ضد الإنسانية» التي ارتُكبَت خلال انقلاب عام 1936 على الشيوعيين، وبعده. كسر غارزون أكبر المحرمات التاريخية، التي لا تزال تقلق ضمير الإسبان، فكان جزاؤه في البداية أن انتُزعَت صلاحيته بالنظر بتلك الدعاوى، ومن ثمّ مثوله أمام المحكمة التي عقدت أولى جلساتها يوم الأربعاء الماضي. وغارزون، أو «القاضي النجم» كما يسمونه في إسبانيا، إحدى أشهر الشخصيات العامة في البلاد، وخصوصاً بعدما أصدر مذكرة توقيف دولية بحق الدكتاتور الفاشي التشيلي أوغيستو بينوشي في لندن عام 1998. وقد رفعت نقابة يمينية متطرفة (الأيادي النظيفة) دعوى ضدّ القاضي بدعوى «المراوغة بهدف إدانة القوات المسلحة الوطنية»، التي خاضت الحرب الأهلية بين عامي 1936 و1939، «رغم أنه يعلم أنّ إجراءات الدعوى مستحيلة، بما أن جميع المعنيين بها قد توفّوا».
ويُوصَف غارزون بأنه «بطل العدالة العالمية»، وكان أول قاضٍ إسباني ينبش قبور التاريخ الفرانكي لبلاده، وذلك لإدانة تلك الحقبة. وفي تشرين الأول 2008، بدأ إجراءات تحقيق قضائي حول مصير 100 ألف مواطن (بينهم الشاعر الشيوعي العالمي فرديريكو غارسيا لوركا) اختفوا، ثم أُعدموا جماعياً بالرصاص وتم رميهم في مقابر جماعية. وإثر ذلك، ثارت ثائرة اليمين في البلاد، والأجهزة القضائية أيضاً، على قاعدة أن جرائم فرانكو تُطبَّق عليها بنود قانون العفو العام الذي صدر في عام 1977، أي بعد عامين من وفاة الدكتاتور.
ويقف اليسار الإسباني إلى جانب غارزون بقوة في ملف محاكمته، إضافة إلى أصحاب دعوى فتح المقابر الجماعية، «جمعية الذاكرة التاريخية»، التي انتقدت بقوة قبول المحكمة الإسبانية العليا دعوى مقاضاة «القاضي النجم».
وعلّق رئيس الجمعية إميليو سيلفا على بدء محاكمة غارزون بالقول «لا يمكن استيعاب مثول هذا القاضي أمام قوس العدالة، فيما لم يُحاكَم الآلاف من المجرمين والمعذِّبين الفرانكيّين».
(الأخبار)