نزاع بدأ قوميّاً وانتهى مذهبياًمعمر عطوي
تمثّل القضية الكردية في الجمهورية الإسلامية، امتداداً واضحاً لما تشهده في المنطقة الواقعة بين العراق وتركيا وسوريا وإيران. لكنها في هذه الأخيرة تأخذ منحىً ثانياً، إذ بدأ النزاع قومياً (كرد وفرس) لينتهي مذهبياً (سُنة وشيعة). ووفق إحصائيات عام 2006، فإن الأكراد يمثّّلون نحو 7 في المئة من سكان إيران البالغ عددهم نحو 70 مليون نسمة. ويعيش أكثر من ستة ملايين كردي في شمال غرب البلاد، وهم موزّعون على محافظات آذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه وإيلام وهمدان ولورستان وخراسان الشمالية.
في أي حال، لا يمكن الاستناد إلى الإحصائيات الرسمية، حيث تعد أعداد الأقليات سلاحاً سياسياً للسلطات والأقليات على حد سواء. سلاح تستخدمه هذه الأقليات بمضاعفة العدد من أجل تبرير المطالبة بالانفصال والاستقلال، بينما تستخدمه السلطة للتقليل من شأن هذه المجموعة البشرية، وشرعنة مصادرة حقوقها.
ويبرر أكراد إيران نشاطاتهم العسكرية واحتجاجاتهم ضد السلطة، بتعرضهم «لاضطهاد منظم» من السلطات الحاكمة؛ ففي إيران، كما في تركيا، يُحظر عليهم تعلم اللغة الكردية في المدارس الرسمية، ولا يمكنهم نشر الأدب الكردي إلاّ بإشراف جهاز الاستخبارات. وذلك برغم أن البند الـ15 من الفصل الثاني من الدستور الإيراني ينص على حق الأقليات في استعمال لغاتها في المجالات التعليمية والثقافية.
كذلك، هناك المادة 19 من الفصل الثالث، التي تنص على عدم التمييز بين الإيرانيين على أساس عرقي، فيما يعاني الأكراد من التمييز ضدهم في فرص العمل والقبول في الجامعات والمناصب العليا في مناطقهم.
وفي محاولة تاريخية فاشلة لتحقيق وطنهم المستقل عام 1946، استغل بعض الأكراد اجتياح الاتحاد السوفياتي للأراضي الايرانية، وهروب الشاه رضا بهلوي، بسبب تعاطفه مع ألمانيا النازية، فقام أحد زعمائهم، ويدعى قاضي محمد، بإعلان «جمهورية مهيباد» الكردية.
لكن الشاه، الذي خلفه ابنه محمد رضا في الحكم آنذاك، طلب من حليفته الولايات المتحدة الضغط على موسكو، ما أدى إلى انسحاب القوات السوفياتية من الأراضي الايرانية. انسحاب لم يكن في مصلحة الأكراد، الذين يدفعون دائماً فواتير النزاعات السياسية بين الدول، حيث قامت الحكومة الايرانية بإسقاط «جمهورية مهيباد» بعد 11 شهراً من إعلانها وأعدم قاضي محمد في 30 آذار 1947.
في ذلك الوقت، برز الحزب الديموقراطي الكردستاني، بقيادة عبد الرحمن قاسملو، ليخوض في ستينيات القرن الماضي حرب عصابات ضد نظام الشاه في جبال كردستان الوعرة. لكن الجيش الشاهنشاهي تمكن من قتل بعض قياداتهم وتقليص نشاطاتهم.
أمّا في عام 1978، فقد شاركت مجموعات كردية، في أعمال الثورة الاسلامية، بيد أن المرحلة التي تلت انتصار الثورة ودخول تشكيل الدولة، خلقت مشكلة بين الأكراد والسلطة الاسلامية، التي جعلت الفقه الشيعي مصدراً للتشريع في البلاد. مشكلة تجلّت صورتها حين رفضت السلطة الإسلامية السماح لممثلين عن الأكراد بالمشاركة في كتابة الدستور الإيراني الجديد.
وتطورت فصول النزاع في ظل نظام الخميني، إذ اندلعت بين عامي 1979-1982 اشتباكات مسلحة بين القوات الحكومية والأكراد ممثلين بالحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني والحزب اليساري الكردي «كومه له».
وفي العام 1983، تمكنت الحكومة من بسط سيطرتها على معاقل الحزبين. وقامت قوات الحرس الثوري الإيراني «الباسدران»، باعتقال وإعدام الكثيرين من الأكراد في إيران. وتقول المصادر الكردية إن هذا النزاع أدى الى تدمير ما يقارب 271 قرية كردية، فيما اتخذ الحزبان من العراق مقراً لهما بدعم من حكم الرئيس الراحل صدام حسين.
وبعدما وضعت الحرب العراقية ــــ الإيرانية أوزارها عام 1988، تفاوض الحزب الديموقراطي الكردستاني مع حكومة طهران، لكن اغتيال قائد الحزب الدكتور قاسملو، عام 1989، قتل المفاوضات في مهدها.
مع ذلك، شهد عهد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني بعض الانفتاح تجاه الأكراد. وتطورت هذه السياسة في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، حين منحت بعض الحقوق الإدارية لكردستان، وحصل اهتمام بالثقافة واللغة الكردية. وذهبت الحكومة أبعد من ذلك بتعيين أول محافظ كردي لمحافظة كردستان. وأنشئ حزب الإصلاح الكردي ومنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد. لكن في المقابل، شهدت الأشهر الأخيرة من حكم خاتمي استقالة ستة نواب أكراد من البرلمان، بدعوى عدم اهتمام الحكومة بالمطالب القانونية والحقوق المتكافئة للأكراد.
كذلك تأسس عام 2004، حزب الحياة الحرة «بيجاك»، الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني التركي. وأنشأ مواقع حصينة في جبال القنديل النائية شمال شرق العراق، وكانت أولى عملياته اختطاف 4 من عناصر الشرطة الإيرانية في آب عام 2005.
في عهد الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، تعززت المواجهات الدامية بين القوات الحكومية والفصائل الكردية. وخصوصاً أن الرئيس المحافظ متهم بالضلوع في تصفية قاسملو.
ويبدو أن التغيير الذي حصل في العراق بعد احتلاله عام 2003، وما تبعه من وضع مميز حظي به أكراد العراق في إقليم كردستان، شجّع أكراد إيران على زيادة نشاطهم للمطالبة بحقوقهم. وكان نتيجة هذه التحولات ظهور «الجبهة الكردية الموحدة»، التي هدفت لتحصيل حقوق الأكراد والدفاع عن قضاياهم بالوسائل السياسية والسلمية.


جذور تاريخيّة للصراعتشير مخطوطة قديمة من كتاب «أعمال أردشير بن باباك» الفارسية، الى أن صراعاً نشأ بين مؤسس الدولة الساسانية (الفارسية قديماً) أردشير الأول، وملك كردي كان يدعى ماديغ، وذلك كان قبل القرن الرابع عشر. في ذلك القرن، وصلت إمارة أردلان (الكردية)، إلى أوج قوتها، إلى أن أنهى الملك القاجاري (الفارسي) ناصر الدين شاه، نفوذ الأردلانيين عام 1867. وفي عهد الصفويين، تعرض الأكراد لمحاولات إخضاع. وأدّت هذه المحاولات إلى صراعات دموية انتهت بهزيمة الأكراد أثناء حكم طهمسب الأول (1514-1576)، الذي دمّر معظم القرى الكردية وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز وخراسان.
رغم هذا التباين بين القوميتين، يؤكد المؤرخون أن اللغة الكردية تنتمي إلى فرع اللغات الفارسية، التي تنتمي بدورها إلى مجموعة اللغات الهندو-أوروبية.
ويتشارك الأكراد والفرس في مناسبات اجتماعية، وباعتماد تقويم السنة الايرانية، حيث يحتفلون كل عام بعيد «النوروز» الموافق لـ21 آذار.