بعد انقطاع نصف قرن، أعاد يوكيو هاتوياما الحزب الديموقراطي الياباني إلى الحكم، ليحاول إنعاش اقتصاد البلاد وإدارة العلاقات مع حليفتها واشنطن
مي الصايغ
بعد الفوز الساحق الذي حققه الحزب الديموقراطي الياباني في الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية الشهر الماضي، اجتمع البرلمان «الدايت»، أمس، معلناً يوكيو هاتوياما رئيساً جديداً للوزراء. ويبدو أنّ التاريخ على وشك أن يعيد نفسه في بلد الزلازل والبراكين؛ فبعد نصف قرن على تولي إيتشيرو هاتوياما، جَدّ يوكيو، رئاسة الحكومة، يأتي الدور على الأخير ليصبح رئيساً للوزراء، ويخلّد بذلك اسم عائلة سياسية ثرية عريقة كثيراً ما تُشَبَّه بعائلة الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي.
وهاتوياما، الذي ولد في عام 1947 في بونكيو وارد في العاصمة طوكيو، سليل واحدة من أكثر العائلات السياسية تأثيراً على الساحة السياسية في بلاده، وينتمي إلى الجيل الرابع من سياسيي هذه العائلة. جده الأكبر كان رئيساً للبرلمان الياباني، فيما شغل والده حقيبة الخارجية خلال سبعينيات القرن الماضي، أمّا أخوه كونيو هاتوياما فعمل في الحزب الديموقراطي الليبرالي المنافس وزيراً للشؤون الداخلية، لكنه عاد واستقال منه في حزيران الماضي.
واللافت أنّ هاتوياما بدأ حياته العامة في المجال الأكاديمي قبل أن يرتقي سلم العمل السياسي متأخراً، حين رشّح نفسه لمقعد والده في البرلمان عن مقاطعة «هوكايدو» في الشمال عام 1986، ممثلاً للحزب الليبرالي الديموقراطي الحاكم الذي أسّسه جده، وانتخب منذ ذلك الحين ست مرات.
وبعدما كان عضواً في الماضي بالحزب الديموقراطي الليبرالي، أحدث قطيعة مع عائلته السياسية الأصلية بمغادرة صفوف الحزب في 1993 ليؤسس بعد ثلاث سنوات الحزب الديموقراطي الياباني مع منشقين ومعارضين آخرين. وعُيِّن هاتوياما رئيساً للحزب الجديد في عام 1999، قبل أن يستقيل من رئاسته عام 2002 إثر تحميله مسؤولية شائعات عن خلاف داخلي بين قادة الحزب. وتحول لسنوات الذراع اليمنى لزعيم الحزب اشيرو اوزاوا بصفته أميناً عاماً، ليعود ويخلفه في أيار الماضي إثر استقالة الأخير جراء فضيحة جمع تبرعات سياسية.
ويقرّ هاتوياما بأنه كان يعاني تردداً في اتخاذ القرارات، لكنه تخلص من نقطة ضعفه الرئيسية، ويقول: «واجهت العديد من المواقف أخيراً، وأعتقد أنني تحسنت، وأحب أن يرى الناس هاتوياما الجديد الناضج».
وما يميّز هاتوياما أنه عدّ نفسه «أوباما بنسخة يابانية» أثناء حملته الانتخابية، رغم تعهده برسم مسار خارجي مستقل لبلاده عن الولايات المتحدة، محاولاً دغدغة مشاعر الناخب الياباني، عبر تقليد شعارات الرئيس الأميركي باراك أوباما عن التغيير.

أحب السياسة التي تدلّل الشعب لا الأبنية الحجرية
ويوكيو أحد الساسة اليابانيين القلائل الذين يتحدثون عن أنّ بلادهم يجب أن تمتلئ بـ«الحب» و«الإخاء»، وتعهد «أن يسعى إلى مجتمع يملأه الحب». وعلى الرغم من خطابه الإصلاحي، يمثل هاتوياما في الكثير من النواحي أسلوب المدرسة القديمة في الساحة السياسية ويشتهر بالنزاهة. فلم يقبل مالاً من سماسرة سلطة ذوي سمعة سيئة. ويُنظر إليه على أنه الرجل الأكثر ثراءً داخل البرلمان الياباني، حيث تبلغ ثروته 1.65 مليون ين (17.5 مليون دولار أميركي) في أصول شخصية، عدا المليارات الأخرى المرتبطة بأسهم شركة «بريدج ستون» لإطارات السيارات التي تمتلكها عائلته.
وتماشياً مع أفكار جده، يتمتع هاتوياما بأفكار ليبرالية في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، مثل وضع المرأة وحقوق الأجانب، فهو «يحب السياسة التي تدلّل الشعب، لا الأبنية الحجرية». وتعهد الدفاع عن الرجل العادي وتوفير الدعم للمزارعين والصيادين والأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة. كذلك وعد بكسر احتكار البيروقراطيين للإدارة والحياة السياسية في اليابان، والحد من هدر المال العام وإعادة توزيع العائدات الوطنية في اتجاه المناطق الريفية ولمصلحة الأكثر فقراً.
وتتضمن المبادرات الخاصة بهاتوياما السماح للمرأة بصعود العرش الإمبراطوري وإصلاح الدستور لإعادة تعريف قوات الدفاع اليابانية كجيش للبلاد، وإعطاء المقيمين الأجانب الحق في التصويت في الانتخابات المحلية.
والجدير بالذكر أنّ هاتوياما صرّح بأنه يرغب في التقاعد من الحياة السياسية بعد أن يخدم بصفة رئيس للوزراء، مشيراً إلى انّه ليس من الجيد لرؤساء وزراء سابقين أن يبقوا مؤثرين، لأن هذا الأمر قد يخلق الفوضى.
يستعد هاتوياما إلى إدارة دفة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على أمل أن «لا يكون كالكريم الناعم، الذي سيذوب سريعاً في حر الصيف»، على حد تعبير رئيس الوزراء الياباني السابق ياسوهيرو ناكاسونه.