تخلّت إدارة باراك أوباما عن استراتيجية فاشلة تجاه الإسلام تقوم على المواجهة، ليس حباً بالإسلام والمسلمين، بقدر ما هو تغيير للأسلوب والهدف واحد: تحقيق مصلحتها
شهيرة سلّوم
أدركت الإدارة الأميركية من خلال التجربة مع أحداث 11 أيلول ثم حربي أفغانستان والعراق أن سياسة المواجهة مع المسلمين لن تحقق لها مصالحها، وأن المعادلة التي اعتمدتها إبان صراعها مع الاتحاد السوفياتي «العدو» لا يمكن أن تُسقطها على صراع مفتعَل بين الغرب والإسلام، وأن اعتماد نظرية صموئيل هنتنغتون لصراع الحضارات سيكون بمثابة رفض لأكثر من ملياري شخص ولن تجلب لها سوى تطرّف وأجساد حيّة مفخّخة بالعبوات الناسفة.
وتقوم سياسة أوباما تجاه المسلمين على التركيز على «القيم المشتركة» بين الأديان السماوية المختلفة. قال ذلك بوضوح في خطابيه الشهيرين إلى العالم الإسلامي، في أنقرة والقاهرة، وعبّر عنه في حفل إفطار في البيت الأبيض، عبر تلاوة روايات عن مسلمين خدموا أميركا: كريم، ابن إلشيبا خان، الذي «بذل أقصى تضحية في سبيل بلده عندما فقد حياته في العراق». قال عنه أوباما إنه «مدفون اليوم إلى جانب آلاف الأبطال في مقبرة آرلنغتون القومية. وقد حُفر على قبره هلال مثلما حُفر الصليب المسيحي والنجمة اليهودية على قبور أخرى، يجمع هؤلاء التزام مشترك تجاه بلدهم والقيم التي نعتز بها».
وحكاية ناشالا هيرن، التي وقفت في وجه قرار منطقتها التعليمية لمنعها من ارتداء الحجاب، فاحتجت قائلة إنه جزء من عقيدتها، ووقفت وزارة العدل إلى جانبها. ثم استشهد بكلام الملاكم محمد علي كلاي: «الأنهار والبرك والبحيرات والجداول، كلها لها أسماء مختلفة، لكنها جميعاً تحتوي على ماء. وكذلك الأديان، كلها تحتوي على الصدق والحقائق».
سياسة جسّدتها الإدارة الأميركية أيضاً عبر اختيار رُسلها إلى العالم الإسلامي ورسائلهم؛ فبعد المحجّبة الأولى في البيت الأبيض، داليا مجاهد، الأميركية المصرية التي عينها أوباما مستشارته الخاصة للشؤون الإسلامية، سمّت وزارة الخارجية الأميركية، فرح بانديت، ممثلتها الخاصة إلى المجتمعات الإسلامية، وهو منصب استُحدث للمرة الأولى.
وفرح (41 عاماً) هي مسلمة أميركية وُلدت في الهند وهاجرت مع والدتها إلى ماسوشوستس. وقبل تعيينها في المنصب الجديد، كانت مستشارة رفيعة لمساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأورواسيا. وبموجب مهمتها الجديدة، فإن فرح مسؤولة عن التعاطي مع المجتمعات الإسلامية في أوروبا. كذلك عملت (ما بين 2004 و2007) في المجلس الأمني الوطني في البيت الأبيض في مهمة تضمنت «مشاركة المسلمين»، ومكافحة العنف الأصولي. وعملت أيضاً مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو أس أيد».
وفي رسالة رمضانية إلى السعودية، تقول فرح إن «منصب الممثلة الخاصة إلى المجتمعات الإسلامية هو منصب جديد في وزارة الخارجية، إنه تاريخي والأول ويعكس التزام حكومتي بالشراكة والتفاعل والعمل مع المجتمعات الإسلامية حول العالم».
وتشرح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، خلال تقديمها لفرح، المهمة الجديدة فتقول إنه «يتعين علينا الآن أكثر من أي وقت مضى أن نروّج أكثر للدبلوماسية والحوار، وفرح ستؤدي دوراً في هذه العملية من أجلنا». حوار لن يركّز فقط على «الإرهاب أو الأصولية» بل سيركز على «الأشياء المشتركة». وأضافت: «إذا كان الناس يعرفون عنك كل شيء واستنتجوا أنك عدوهم، شيء مختلف بالكامل إذا كانوا يعرفون عنك القليل أو لا شيء ما عدا الدعاية، وقوالب نمطية، وتعميمات غير دقيقة، واستنتجوا أنك عدوهم».
رسالة تحملها أيضاً ابنة المهاجر المصري داليا مجاهد، التي تشغل منصب المدير التنفيذي لمركز «غالوب» للدراسات الإسلامية في أميركا. وقد عيّنها أوباما مستشارةً له في الدين الإسلامي ضمن طاقم استشاري خاص بالأديان مكون من 25 عضواً. وكان تعيينها ضمن برنامج «العمل الإيجابي» الذي أعلنه الرئيس الأميركي لتوظيف المسلمين في البيت الأبيض، وذلك بعد مسح شامل لأكثر من 300 اسم ضمن عملية البحث.
وكان لكل من النائبين المسلمين، الجمهوري كيث أليسون وزميله الديموقراطي أندريه كارسون، جهود حثيثة لتوظيف عدد أكبر من المسلمين. ووضعا لائحة تضم 45 أميركياً مسلماً يتمتعون بالأهلية لاقتراحها على الإدارة. وإليسون وكارسون هما أول مسلمَين يخدمان في الكونغرس.
وتقول داليا مجاهد إنها عُيّنت لأنهم في البيت الأبيض يريدون سماع آراء المسلمين. وتتحدث عن الخلاف بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، فتقول إن «مرجعه سياسي وليس دينياً أو عقائدياً كما يعتقد الكثيرون». وتشير إلى أن مهمتها هي «إطلاع الرئيس أوباما على كيفية تفكير المسلمين، وماذا يريدون من الولايات المتحدة».