أجمع قادة الدول المشاركة في قمة المناخ التي استضافتها الأمم المتحدة أمس على ضرورة إيجاد حلّ لظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أنهم فشلوا في الاتفاق على الآليات
نيويورك ـ نزار عبود
اجتمع زعماء العالم أمس في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في قمة عن المناخ، في محاولة للخروج من الجمود الذي يصيب مفاوضات تشارك فيها 190 دولة بشأن التوصل إلى اتفاق جديد لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية. ومنذ البداية كان واضحاً أن القمة تواجه العراقيل، وخصوصاً أن المطلوب الحدّ من استهلاك الطاقة وانبعاث الغازات المؤذية في وقتٍ يحتل فيه إنعاش الاقتصاد الأولوية في ذهن الزعماء، في مقابل ترك موضوع خفض إنتاج الغازات الضارة لمناسبات لاحقة.
وكانت كل الأنظار متركزة أمس على ما سيطرحه الرئيس الأميركي باراك أوباما من حلول، ولا سيما أن بلاده مسؤولة عن معظم التلوث البيئي. ولم يخيب أوباما ظن الذين شككوا في قدرته على تقديم حلول عاجلة للمشكلة، فجاء خطابه أمام المشاركين عاماً، شدد فيه على أن العلاج لمشكلة الطبيعة يستدعي تضافر كل الجهود الدولية من الأطراف كافة. ولفت إلى أن «الدول المتقدمة عليها أن تكون قدوة»، مذكراً بهدفه القاضي بخفض انبعاثات غازات الدفيئة في الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه في عام 1990، وذلك بحلول 2020، كذلك أشار إلى أنه سيعمل على إلغاء الدعم الحكومي للمحروقات المستخرجة من موارد أحفورية.
وأكد أوباما أن الولايات المتحدة تنظر إلى القضية من زاوية إنتاج صناعات «طاقة بديلة متجددة». هذا الطرح الذي لا يختلف عليه أحد، يبقى أضغاث أحلام وسط الرغبة في إيجاد حلّ سريع يمنع ارتفاع الحرارة إلى درجتين مئويتين كافيتين لإلحاق أفدح الأضرار بالحياة على الكوكب.
ولم يخف أوباما في كلمته وجود خلاف على رؤية الحل، وتحديداً بين الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه قال: «لا نستطيع أن نسمح للانقسامات بأن تعطّل الحلول»، وفي مقدمتها اقتراح يقضي بأن تتحمل الدول الصناعية مئة مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية على بناء صناعة ملائمة للطبيعة وتقديم التقنيات الضرورية لذلك، وهو ما تطالب به مجموعة السبعة والسبعين خصوصاً، وفي مقدمتها الصين والهند التي ترى نفسها جزءاً من الحل لا المشكلة وفقاً لما أكده وزير البيئة الهندي، جيرام راميش.
من جهتها، تعهدت الصين خفض مستويات إنتاج الكربون على نحو كبير خلال العقد المقبل لمحاربة تبدل المناخ. وقال رئيس الصين هو جنتاو، في كلمته أمام القمة: «سنحاول أن نخفض أوكسيد الكربون بنسبة محددة كبيرة من مستوى الدخل القومي بحلول 2020 مقارنة بمستوى عام 2005»، مكرراً دعوة بلاده للدول المتقدمة إلى تقديم الدعم للعالم النامي لمكافحة الاحتباس الحراري.
إلا أن المفاجأة جاءت من اليابان، التي أعلن رئيس وزرائها، يوكيو هاتوياما، أن بلاده تنوي الحد من انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2020 بنسبة 25 في المئة بالمقارنة مع 1990.
أما الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، فأعرب عن نفاد الصبر حيال التباطؤ في تقديم التزامات معينة، وطرح فكرة عقد قمة للدول الصناعية الأكثر تلويثاً للطبيعة في تشرين الثاني المقبل، على أن تسبق قمة كوبنهاغن المقررة في كانون الأول المقبل، التي يتوقع منها أن تخرج بمعاهدة تهدف للقضاء على انبعاثات الكربون وتحل مكان بروتوكول كيوتو. وأوضح ساركوزي أن القمة المطروحة يجب أن تنشئ «منظمة دولية خاصة بالطبيعة» تكون مستقلة عن المنظمات كلها، وتعمل بوحي احتياجات البشر

اليايان تعلن عزمها على الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة بحلول 2020
المستقبلية لإيجاد بيئة صالحة للعيش، وأن تعمل على «تقديم طروحات محددة لقمة كوبنهاغن في وقت مناسب قبل فوات الأوان». وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد ألقى كلمة أكد فيها أن الموقف من المناخ سيكون محكّاً حقيقياً للروح القيادية التي ينتظرها العالم من الزعماء. ولفت إلى أن «صفقة ما يجب أن تكون متاحة للسكان، ويجب وضع موارد خاصة، بحيث تتمكن الدول النامية من الاستفادة منها لضمان نمو اقتصادي بإنتاج منخفض للغازات الضارة...». وحذر من أن الفشل في قمة كوبنهاغن سيكون «غير مقبول أخلاقياً، ويعكس قصر نظر من الناحية الاقتصادية وحماقة سياسية»، مشدداً على أن «الوقت قد حان لاتخاذ قرارات» لانه «لا يمكننا أن نسلك هذه السبيل».
ومع انتهاء كلمات القادة، انتقلت القمة من المنابر إلى طاولات الحوار لتضييق الخلافات، لكن العائق المسيطر تمثل في أن الرئيس الأميركي لم يكن مخولاً بعد من الكونغرس تقديم تعهدات محددة حيال حماية البيئة. فالكونغرس الأميركي يضع مشروع الضمان الصحي في أولوياته حالياً، كذلك هو مشغول بالركود الاقتصادي والبطالة المستفحلة وهبوط قيمة العملة الأميركية، فضلاً عن أنه يوجد العديد من أعضاء الكونغرس من الجناحين الديموقراطي والجمهوري يؤمنون بأن المناخ ليس بالأهمية القصوى في الوقت الراهن.
وانعكست الطروحات العامة لإدارة أوباما خيبة أمل أوروبية، عبّر عنها مصدر مقرب من رئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفلدت بقوله إن «الولايات المتحدة ليست لديها رغبة كبيرة بأن تكون النموذج، ويبدو أنها تفتقر إلى الطموح»، منتقداً أوباما الذي «حوّل انتباهه إلى إصلاح النظام الصحي في الولايات المتحدة عوضاً عن التركيز على البيئة».